
Ghariba2013@gmail.com
السودان، بلد الحضارات القديمة والنيل الخالد، يمرّ اليوم بمرحلة عصيبة من تاريخه الحديث. فبعد سنوات طويلة من النزاعات والحروب والتدهور، أصبح من الضروري أن يلتفت أبناء هذا الوطن إلى الداخل، وأن يعملوا بجدٍّ على استعادة هويتهم الوطنية التي كادت أن تضيع في خضمّ الصراعات. إنّ الهوية الوطنية ليست مجرد شعار أو أغنية، بل هي الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع متماسك، وهي الذاكرة التي تحفظ له تاريخه وحضارته.
تعتبر الهوية الوطنية كالجذور التي تمد الشجرة بالقوة والصمود. فبدون هذه الجذور، ستصبح الشجرة عرضة للرياح والأعاصير، وقد تسقط في أي لحظة. لقد شهد السودان على مرّ تاريخه صراعات متعددة، لكن ما يميزه هو قدرته على النهوض من جديد. هذه القدرة تنبع من هوية عريقة ومزيج فريد من الثقافات العربية والأفريقية، ومن تاريخ غنيّ بالتضحيات والمواقف المشرفة.
لقد عاش السودانيون على مرّ العصور على أرضٍ واحدة، وواجهوا تحديات مشتركة. تاريخهم مليء بالحضارات القديمة كحضارة كوش ومروي، التي تركت آثارًا خالدة تشهد على عظمة هذا الشعب. لكن هذه الذاكرة المشتركة قد تلاشت إلى حدّ ما بسبب التمزّق الذي أحدثته الحروب.
إنّ الخطوة الأولى نحو استعادة الهوية الوطنية تبدأ من استعادة الذاكرة. يجب أن يتذكر السودانيون تاريخهم المشترك، من الحضارات القديمة إلى الثورات الحديثة التي قامت من أجل الحرية والكرامة. يجب أن يتربى الأجيال الجديدة على قصص الأبطال الذين ضحوا من أجل هذا الوطن، وعلى أهمية الوحدة والتماسك.
كما يجب التركيز على الجانب الثقافي، والثقافة هي المرآة التي تعكس هوية المجتمع. علينا أن نعمل على إحياء الفن والموسيقى والآداب السودانية التي تعبر عن روح الشعب السوداني. يجب أن نعتزّ بلهجاتها المختلفة، و أزيائنا التقليدية، و أطعمتنا الشعبية، فهذه التفاصيل الصغيرة هي التي تشكل نسيج هويتنا.
بالطبع، استعادة الهوية الوطنية ليست مهمة سهلة. هناك تحديات كبيرة، من بينها التمزّق الاجتماعي الذي خلفته الحروب، والتدخلات الخارجية التي تستهدف تفتيت النسيج الوطني. لكن في قلب هذه التحديات، تكمن فرص كبيرة.
إنّ هذه الأزمة قد تكون فرصة لإعادة بناء السودان على أسس جديدة ومتينة، أسس تقوم على المواطنة المتساوية، بغض النظر عن العرق أو الدين. إنّ التنوع الثقافي الذي يتمتع به السودان يجب أن يكون مصدر قوة لا مصدر ضعف. يجب أن نعمل على تعزيز قيم التسامح والقبول، وأن نؤمن بأنّ اختلافنا هو ما يجعلنا أغنياء.
إنّ الطريق إلى استعادة الهوية الوطنية يمرّ عبر عدة محطات ومنها التعليم. فيجب أن تكون المناهج الدراسية غنية بالتاريخ والثقافة السودانية، وأن تشجع على التفكير النقدي وقيم المواطنة الصالحة، بجانب الثقافة والفنون بدعم المبادرات الثقافية والفنية التي تبرز التراث السوداني وتجمعه من مختلف المناطق، مع الحوار بتشجيع الحوار بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية لحل الخلافات بالطرق السلمية، وبناء رؤية مشتركة للمستقبل، مع تذكر التضحيات التي قدمت من أجل السودان، واعتبارها دافعًا للمضي قدمًا.
في الختام، إنّ استعادة الهوية الوطنية السودانية ليست مجرد حلم، بل هي ضرورة حتمية من أجل بقاء السودان كدولة موحدة ومزدهرة. فالهوية هي الروح التي تحرّك الجسد، وبدونها يصبح الجسد مجرد هيكل فارغ. على كل سوداني أن يتحمّل مسؤوليته في هذه المهمة المقدسة، وأن يعمل من أجل سودان جديد، يستعيد مجده وتاريخه، ويستقبل مستقبله المشرق بقلب واحد وروح واحدة.