المقالات

شركات الطيران السودانية والإستفادة من التصريح الأوروبي

إبراهيم عدلان يكتب:شركات الطيران السودانية والإستفادة من التصريح الأوروبي “EASA-TCO”
“بوابة أوروبا ليست مفتوحة للجميع”

كثير من شركات الطيران تتطلع للوصول إلى أوروبا باعتبارها واحدة من أضخم الأسواق وأكثرها تنظيمًا في العالم. لكن الوصول لا يتم بمجرد التخطيط لرحلات أو توقيع اتفاقيات تجارية، بل يتطلب المرور عبر نظام صارم تقوده وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA).
التصريح المسمى Third Country Operator – TCO هو الأداة التي تضع بها أوروبا خطوطها الحمراء: لا دخول ولا استمرار في السوق دون هذا الاعتماد.
لماذا يكتسب TCO هذه الأهمية؟
لأن الحصول عليه لا يرتبط فقط بسلامة الطيران في معناها الفني، بل يعكس مدى ثقة أوروبا في الناقل الجوي وإدارته ككل. التصريح بمثابة شهادة “جدارة تشغيلية”، ومن دونه لا يمكن لأي شركة خارج الاتحاد الأوروبي أن تحجز لها مكانًا على خريطة أوروبا الجوية.
بعبارة أخرى: التصريح هو التذكرة، لكن الحفاظ عليه هو مقعد الدرجة الأولى الذي لا يخسره إلا من يتهاون.
التحديات الحقيقية ليست في البداية
البعض يظن أن العقبة الكبرى هي الحصول على التصريح الأولي. صحيح أن الإجراءات تتطلب وقتًا طويلًا وتكديسًا للوثائق والاجتماعات وربما الزيارات الميدانية، لكن الامتحان الأصعب يبدأ بعد المنح:
•التدقيق الدوري الذي يختبر الاستمرارية وليس البداية.
•سرعة الرد على استفسارات EASA بدقة واحترافية.
•المواءمة الدائمة بين سياسات التشغيل الداخلية وتعديلات التشريعات الأوروبية.
الالتزام هنا لا يُدار بردود فعل متفرقة، بل يحتاج إلى نظام داخلي مستدام يجعل الامتثال ثقافة يومية.
كيف يجب أن يتعامل الناقل الوطني؟
المسألة لا تتعلق بـ”إجراء إداري” تكمله إدارة السلامة أو الجودة فقط. إنما هي قرار استراتيجي على مستوى الإدارة العليا، لأنه يمس مباشرة:
•الوجود التجاري للشركة في أوروبا.
•سمعة الناقل الوطني في أسواق أخرى تراقب بدورها نتائج التعامل مع أوروبا.
•قدرة الشركة على التوسع العالمي اعتمادًا على سجلها في الالتزام.
لذلك من الضروري أن تتعامل الشركات الوطنية مع TCO كما تتعامل مع أساطيلها أو شبكات وجهاتها: عنصر بقاء ونمو، وليس مجرد متطلب على الهامش.
دور سلطة الطيران المدني
لكي يتحول هذا الالتزام إلى واقع، لا بد أن تواكب سلطة الطيران المدني نفسها تطورات EASA عبر:
•إنشاء شعبة متخصصة بشؤون أوروبا والتصاريح الأوروبية تكون مرجعًا للنواقل الوطنية.
•توفير تدريب مستمر للكوادر الفنية والإدارية حول المعايير الأوروبية.
•لعب دور الوسيط الفعّال مع الوكالة الأوروبية، خاصة في حالات التوضيح أو تسوية الملاحظات.
بهذا تتحول السلطة من مجرد جهة رقابية إلى شريك تمكيني يعزز فرص الشركات الوطنية في السوق الأوروبية.
ما وراء التصريح
من الخطأ النظر إلى TCO على أنه مجرد مفتاح لوجهات جديدة. الحقيقة أنه مؤشر عالمي على قوة أنظمة السلامة والتشغيل داخل الناقل الوطني.
•إذا أُدير التصريح باحترافية، فإنه يعزز الثقة ويفتح أبواب أسواق أخرى خارج أوروبا.
•وإذا أُهمل أو أُسيء التعامل معه، فإن نتائجه لا تقف عند خسارة خط إلى أوروبا، بل قد تمتد إلى التشكيك في قدرات الشركة على مستوى العالم.
خلاصة
التصريح الأوروبي EASA-TCO ليس مجرد ورقة رسمية، بل اختبار مستمر لإرادة الشركة وقدرتها على العمل وفق أعلى المعايير.
النواقل الوطنية التي تريد المنافسة عالميًا مطالبة بأن تستثمر في هذا الملف بنفس الجدية التي تستثمر بها في طائراتها وشبكاتها. أما سلطة الطيران المدني، فعليها أن تبادر بتأسيس وحدة متخصصة تجعل من التعامل مع EASA عنصرًا مؤسسًا في استراتيجيتها، لا استجابة مؤقتة لمتطلبات خارجية.
إن الاستفادة من هذا التصريح ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتثبيت الحضور، وتعزيز السمعة، وتمهيد الطريق نحو توسع مستدام في واحد من أصعب أسواق الطيران وأكثرها قيمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *