المقالاتحوارات

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب: بلاغ إلى النائبة العامة..!

“ليست القوانين وحدها هي التي تُنصف المظلوم، بل العزيمة التي تجتهد في تطبيقها”.. الكاتبة..!

تعيين الأستاذة انتصار أحمد عبد العال، كأول سيدة تتقلد منصب نائبة عامة في تاريخ السودان، مناسبة عامة مُلهمة، ومنعطف اجتماعي مُهم يضاف إلى تاريخ ريادة السودان في تولي المرأة مناصب ذات ثقل نوعي في الجيش والشرطة والقضاء..!

وبهذه المناسبة أرجو أن يكون لهذه المساحة أجر المناولة في الحديث عن قضية مجموعة من خيار المواطنين السودانيين، الذين فقدوا أموالاً طائلة بعد تعرضهم لحوادث نصب واحتيال قامت بها شركة توظيف أموال سودانية..!

الشركة بدأت في جمع الأموال قبل الحرب، ثم استغلت ظروف الحرب وتعطل عمل النيابات في الخرطوم، وهربت بأموال المودعين وانتهجت المماطلة والتسويف منذ اندلاع الحرب وحتى تاريخ اليوم..!

القصة كما يرويها أحد الضحايا – وهو بالمناسبة موظف مرموق في وزارة سيادية – بدأت بإعلان شركة “ش. ف” عن نجاح عملها في توظيف الأموال، والترويج للأرباح الكبيرة التي تقوم بتحقيقها..!

الشركة – التي كانت وما تزال تمتلك أذرع تجارية متفرعة في عدة مجالات مثل “ق. ن” في تصدير اللحوم، “ت. ز” في مجال الوقود َ، وأخرى في مجال الاتصالات.. إلخ – كان لها عنوان معلوم في شارع الشهيد محمود شريف..!

في البداية وعدت الشركة المودعين باستلام أرباح شهرية تقدر بنسبة سبعة عشر في المائة من قيمة رأس المال شهرياً، وقد تسلم بعض المودعين في تلك الفترة هذه المبالغ فعلاً. لكن أغلب المودعين اللاحقين لم يلحقوا بذلك الفردوس المفقود..!

لاحقاً أصبحت الأرباح إحدى عشر في المائة من قيمة رأس المال، يتم تسليمها إلى المودعين كل شهرين. ومثل تلك النسب – في بلد منهك اقتصادياً – كانت كافية لكي يطمع الجميع. ثم تناقصت الأرباح إلى سبعة في المائة، مع انتظام في توقيت الدفع، وتوالت بعدها سلسلة الاكتتابات الجديدة..!

أحد المساهمين دخل بأربعة دورات كاملة بلغت الثمانين ألف دولار، أقاربه وأصدقاؤه دخلوا بمبالغ تتراوح بين عشرة آلاف ومائة ألف دولار. مجموع ما ضاع من أموال الناس يفوق الملايين. وتضم عضوية مجموعة واحدة فقط من مجموعات ضحايا هذه الشركة أكثر من سبعين مساهماً فقدوا أموالهم، وخلف الكواليس مجموعات أكبر وأموال أكثر..!

قبل اندلاع الحرب كان سوق الأوراق المالية قد أوقف الاكتتاب الجديد في هذه الشركة لترتيب تفاصيل العلاقة القانونية بينهما، وما أن توقف الاكتتاب حتى تعثر توزيع الأرباح. وهنا انكشف المستور، لم تكن تلك النسب المئوية أرباحاً حقيقية، بل أموال المساهمين الجدد التي كانت تدفع للمساهمين القدامى، وهكذا دواليك..!

ثم اندلعت الحرب، فأخفت الشركة أسباب تعثرها الحقيقية خلف ظروفها. وبعد عام كامل من الصمت، ظهرت عبر بيان يخاطب الضحايا من أصحاب الأموال قائلاً إن أربعين في المائة من رأس المال ما يزال يعمل، مع وعد بتوزيع أرباح جديدة. بعد صدور البيان تم توزيع أرباح لمرة واحدة فقط، وبنسبة خمسة في المائة. ثم عادت الشركة إلى الصمت، والتهرب من الشكاوى، والوعود الكاذبة..!

بيانات الشركة يقوم بالتوقيع عليها شابان، لم يكن أحد من المساهمين قد رآهما. بينما كان يظهر في الصورة موظفون بمظاهر وسمات دينية. أما المدير العام نفسه فقد توفي فجأة في السعودية، في أثناء فترة الحرب، وترك وراءه فراغاً يبدو أن هنالك من يقوم باستغلاله..!

القائمون على أمر هذه الشركة يقيمون اليوم في السعودية، ولهم مكاتب وشركات أخرى – منها شركة “ق. ن” صاحبة قضية النصب والاحتيال – وليس بمستبعدٍ أبداً أن يُعيدوا الكَرَّة مع بعض السودانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى هناك..!

إن أول امتحان حقيقي أمام الأستاذة انتصار أحمد عبد العال هو أن تتحول مثل هذه المظالم إلى ملفات قضايا على مكتبها، وأن تخرج العدالة – المتمثلة في التحقيق والملاحقة – من الورق إلى الواقع..!

نأمل أن يكتب التاريخ أن أول سيدة نائبة عامة في تاريخ السودان قد دشنت عهدها بإنصاف قضايا مثل هؤلاء المواطنين، ورد الاعتبار لهيبة الدولة، التي استغل القائمون على أمر تلك الشركة – وغيرهم كُثُر – تَعثُّرها في زمن الحرب!.

munaabuzaid2@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *