وكالات _ عزة برس
الخرطوم – خالد فتحي
في مشهد يقطر حزناً ويُجسِّد حجم المعاناة التي خلّفتها الحرب الطاحنة فى السودان، ضجّـت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع مُؤثِّر لمعلم سوداني شهير يُدعى مهاجر عبد الرحمن، يدرِّس في فصل خالٍ من التلاميذ بمدرسة في منطقة الكدرو شمالي العاصمة الخرطوم.
وأظهر الفيديو القصير، الذي لا يتعدى الدقيقتين وثانية واحدة، المعلم، الذي اشتاق لتلاميذه الذين شرّدتهم الحرب، وهو يلقي دروسه في الفصل المهجور، محاولاً الحفاظ على بصيص الأمل في عودة طلابه إلى مقاعدهم.
فيما وصف أحد المتفاعلين مع المقطع، تصرف الأستاذ بأنه “ملحمة” ينبغي أن تُدرّس، مُشيراً إلى أنّ تصرفات مثل هذه، تعكس المشاعر الأصيلة والتفاني الذي يتحلى به بعض المعلمين الذين يضعون مستقبل الطلاب نصب أعينهم، فهؤلاء الطلاب هم رجال الغد المشرق، حسب تعبيره.
“كل الخرطوم تعرفه”
كما علّق آخر قائلاً: “هذا هو المعلم الذي ينطبق عليه القول (كاد المعلم أن يكون رسولاً)، نُوجِّـه له كل التحايا والاحترام والتقدير”.
وذكر شخصٌ ثالث في تعليقه بمناسبة يوم المعلم شكره للأستاذ مهاجر قائلاً: “لا أظن أن هناك أحداً في أم درمان أو الخرطوم لا يعرف هذا المعلم العظيم. الذي أعتبره من علماء الرياضيات في السودان، فهو الشخص الذي جعلني أحب هذه المادة وجعل منها شغفي”.
كذلك عبر سوداني آخر عن تقديره العميق لمهاجر، قائلا “سلمت أيها المربي الفاضل، لقد كنت خير ممثل للمعلمين السودانيين، عدت لأرض الوطن، تبث الأمل في قلوب أبنائك التلاميذ وعائلاتهم ببشائر النصر وقُـرب موعد عودة الوطن لأبنائه بعد هذه المحنة المؤلمة “.
أشهر معلمي الرياضيات
ويُعد مهاجر عبد الرحمن أحد أشهر معلمي الرياضيات في السودان بالسنوات الأخيرة، وكان قد لجأ إلى مصر بعد اندلاع الحرب.
لكنه قرّر على نحو مفاجئ العودة إلى أم درمان في يوليو الماضي، آملاً أن يعود كل من شرّدتهم الحرب إلى السودان يوماً ما.
يُذكر أن الحرب المستعرة في السودان ألقت بظلال قاتمة على مستقبل التعليم، تاركةً آثارًا مدمرة قد تمتد لعقد كامل أو أكثر. ففي ظل ضياع أكثر من عام دراسي، يعاني 90% من الأطفال، الذين يبلغ عددهم 19 مليونًا، من الانقطاع عن التعليم، مع وجود 17 مليون طفل خارج المدارس الآن، بينهم 7 ملايين كانوا محرومين من التعليم حتى قبل اندلاع الحرب. هذا الواقع المأساوي دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى وصفه بأنه “أسوأ أزمة تعليم يشهدها العالم”.
لكن الكارثة لم تتوقف عند الأطفال فقط؛ فقد طال الدمار المعلمين والمدارس والبنية التحتية التعليمية. فقد أغلقت المدارس وعلقت الدراسة، كما توقفت رواتب نصف مليون معلم، ما دفع العديد منهم إلى حافة التشرد والفقر.
فيما اضطر بعضهم لترك مهنة التعليم إلى الأبد والبحث عن أي وسيلة لكسب العيش. بينما هاجر آخرون إلى دول الجوار وقد لا يعودون أبدًا.
بينما تحولت آلاف المدارس إلى أنقاض أو ملاجئ للنازحين، ما عمق جراح النظام التعليمي وزاد من مأساة البلاد.