
*يتعقد
*مرة أخرى أعود لمدينة جهالتى نازخا ويتيما ، بورتسودان التى عشت فيها طفولتى وشئ من صبابتى ، فى كنف الوالدين والأسر الصغيرة والكبيرة والممتدة ، ببيت بديم شاطئ وقفا لازال حتى اليوم قائما بساكنين جدد ، بينما اقدار الله تلقى بى ضحية حرب من وجهة لأخرى ، مطرودا ، إلا من رحمة الله ، من دوواين سكناى وعملى ، اهيم مسافرا نازحا مماسا فجاج أرضين معارك واشتباكات وحاجات أخرى ، بلا خارطة ولا بوصلة ولمقرات إقامات مجهولات الأمد ضيفا بما يتيسر قصرا أو كوخا ، وفى البال عبارة أمى الخالدة يا ولدى البيت بيت الآخرة ، هو إمتحان نرتضيه ، ولاشئ منذ نزوحى الأول من شمبات بعد نحو عام من حولى يتغير بل يتعقد
*يتعجل
بت قبل العودة ، عشية ليلة المسيرات ، فى جبيت الشرق ، وصباحية تخريج دفعة جدية تاريخية من رجال الكلية الحربية فى مختلف التخصصات ، والتاريخية لإقتران إحتفالها بحادثة غير مسبوقة ، سقوط مسيرتين فى المدينة الوادعة بوجود المعسكرين الجنوبى والشمالى و مظاهر العسكرية ووجود قيادات توضع من بين أصلابها وترائبها ، أخيرها وليس آخرها قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة الإنتقالى ، الناجى من محاولة الإغتيال بالإستهداف لمحفل التخريج فى بمسيرتى جبيت ، و متهموها كُثر وفقا لمنصات الإطلاق وقطعا بألسن وأقلام متعجلين .
*يستفيد
وعلى رأس المتهمين بواقع الحرب والقرائن والبصمات ، متمردو الدعم جريا على سوق المنبرين بلا معلومات أولية ، لتوجيه أصابع الإتهام ، بالإفتراض مع الإشارة وباشتراك فى تسمية المتهم الأول ، والمتهم الثانى مشترك التقصير والإهمال و المندس الطابور المسنود بعصبة المتآمرين ، وأرابيب أجهزة لمخابرات دول منتفعة بتأجج نيران حرب السودان ، دون بعد نظر لارتدادتها عليهم محرقة طال أو قصر الأمد ساعرة ، ويستفيد من تفرق ألسن المعددين دون انتظار لبيان رسمى بالإتهام الصريح ، المتهم مرتكب الجرم الغادر والجبان.
*يتبنى
والأقدر على الإتهام الموضوعى أجهزة ومؤسسات الدولة العسكرية والنظامية والأمنية ، مشفوعا بأدلة وشواهد وقرائن أحوال ، وباحتساب لخطورة ومغبات التسرع والأخذ حتى بالتبنى من هنا وهناك خشية الوقوع فى فخ الغرض ، فالإتهام العجول رسميا دون قطع للمتمردين على شرعية المؤسسة العسكرية، إقرار بقدراتهم على الوصول بعيدا وجبيتا ، ولأجهزة مخابرات بعينها إسما ، يفتح أبواب عدوات وشرور ، وتبنى فرضية التقصير والإتهام والطوبرة دون تقص وتحقيق عميق فى واقع معقد ، يفضى بالضرورة لإلتباس وارتباك لايتحمله ميدان حرب ضد الدولة وجيشها ومواطنها ، والضدية تستوجب التريث ، مع الوضع فى الإعتبار أن المستفيد الأول من حادثة سقوط مسيرات جبيت ، متمردو الدعم على شرعية الجيش وإن لم يكن احدهم الفاعل.
*يتجدد
و تعدد القراءات والسيناريوهات والتعجل للوصول لنتائج ونهايات وسط خضم تداعيات مركبة ، يعقد من مشهد ، يستدعى التلطف والتريث ومنح الوقت للبت الناجع وناجز ، ومعرفتى بجبيت تاريخية وتمتد لنحو نصف قرن من الزمان ، ولأسرتى وجود فيها منذ أزل بعيد و يتجدد كل مرة وحين ، ووجوه من بنيها وأهلى غادروها لأغراض وإصابة منافع متعددة فى مواقع اخرى من سوداننا المختطف ، وما انقطعوا عنها.
*تتجلى
خالتى حوارى القراى ، العلم المؤنث فيها والهجرة العصامية من بلاد النيل ، إبنها خالد الكنوزى بالميلاد والإقامة فى جبيت ، متشرب بثقافة وادب ولهجة البجاوية ، لم يجد غيرها ضحية حرب بشمبات ، لتأويه وتحتضنه وأسرته مجددا بذراعات مبسوطة ، وتحنو عليه ببركة فيها وتمويل من الشنيّاب كرادفة البورت وبدعم من أسرته الأخرى أولاد وأحفاد حاج إبراهيم الزبير ، بإفتتاح محل تجارى أنيق، أطلق عليه جبيت كناب ، ولد جبيت ، يقف شاهدا على إكرامها لبنيها عند الضراء وفى السراء دوما تتجلى.
*يعزز
*ولا تصلح جبيت ساحة لفعلة مجرم غادر وبتدبير جبان ، باطلاق مسيرات لاستهداف مواطنيها وجبيت كناب ، ولدها عبدالفتاح البرهان فى صباحية لتخريج فرسان جدد من رحم القوات المسلحة لتعزيز الدفاعات فى وجه الحرب المفروضة ، وليس بفارق مع المجرم وقوع كل الحاضرين ضحايا شاهدين على إنضمام زمرة جديدة للمؤسسة العسكرية ، التى تحارب وتجنح لتفاوض بما يعز ويحافظ على الدولة وإنسانها ، وتعمل هاهى على مواصلة المشوار بإعداد الأجيال رغم الاهوال ، بينما هناك من يخطط لهزيمة السودان وشعبه الملتف حول قواته ويزداد تمسكا وتماسكا ما اقترب من مؤسسته سائر بالنهار وسارب بالليل ومطلق للمسيرات فوق رؤوس النساء والأطفال ، بينما هم إحتفال بخريجين لهزيمته ومنعه من الإيتاء على دولتهم والإجهاز عليها من جهة جبيت خاصة.
*يقدر
ولولا تقدير من عندالله ومشيئة مكتوبة ، لكنت من بين الآمين موقع الإحتفال وسقوط المسيرتين صحفيا نازحا عابرا بجبيت ، إذ غادرت قبل ساعات من موعد المناسبة التى لم تسرق عنها المسيرات الأضواء والإعداد مما يبدو ولاحترازات كان فى الخفاء ، وما كنت لأتعجل نشرا حال وجودى ناجيا ، حتى اتبين قطعا ، عدا إيراد الوقائع الأولية ومن ثم التقصى للنشر المدروس تفاديا للهردبيس والمدروش.
*يحسن
أحسن قائد الجيش بمواصلة إحتفال التخريج والمخاطبة المبرمجة بعد الإطمئنان على الموقف إثر الحادث المباغت ، و بالجولة المعتادة كل ما زار جبيت التى تعرفه ويعرفها ، ولربما الجولة لم تكن مبرمجة ، ولكن القيام بها بات من الأهمية لبث الطمآنينة فى نفوس ولو مجبولة على الرسوخ والثبات كما الجبال الراسية . يربطنى جبيت كناب ، خالد الكنوزى بما يدور فى مجالس المدينة وهى كما الأسافير مع الفوارق ، فى مهاتفة مباشرة بعد تناهى الأخبار وهو القريب من مسرحها مسكنا وعملا.
*يروى
*والمسافة الفاصلة بين الساحة العسكرية والسوق نحو كيلويين ، لم يسمع خالد جبيت كناب و من فى السوق صوتا لانفجار المسيرتين العبوتين ، ولم ينتبهوا مشغولين بتجارتهم حتى بلغهم النبأ محمولا فى جوالاتهم ولم يحرك فيهم ساكنا لعدم السماع ممارسين أعمالهم ، وتعزز ثباتهم بعد العلم بفادحة سقوط شهداء ، جولة البرهان وسط إلتفاف شعبى عفوى الإحساس بالطمآنية ، واحاديث شتى يرويها عن المجالس المحلية جبيت كناب ، خالد الكنوزى نقلا عن أحد شهود العيان.
*ينقل
*شاهد العيان من الواقفين على نصب خيام الإحتفال ، أفاد بأن العاملين على النصب والتثبيت ، عند شروعهم فى العمل ، أشار إليهم أحد المعنيين بتحريك خيام إستقبال المواطنين جانبا تفاديا للشمس ولسبب فنى وآخر ، وليس هذا المهم وانما الأهم ما ورد على لسان الرواى ، سقوط المسيرات فى الموقع المحدد أولا ، غير هذا ، فإن الخريجيين ، أجروا بروفات منذ الصباح الباكر فى الفضاء المكشوف فى قلب منطقة السقوط ، وهذا مما يعزز وفقا للروايات المتداولة غير الرسمية ، أن الجريمة النكراء محاولة لإغتيال البرهان ، واستهداف للمواطنين ولنقل الحرب شرقا .
*تجيب
*رواية شاهد العيان تعزز الإشارة بأصابع الإتهام للمتمردين من يقومون بتوزيع الأدوار بينهم وكما تعزز غيرها فى ما لا يجوز فيه الإفتراض والإقتراض من نتف هناك وخواطر هناك ، خروج بعض المتمردين لتبنى هذه العملية وتلك وأخرى تبدو فى غير صالحهم ، مع ترك الباب مواربا للتراجع ، متى بدا من الإعلان الزائف إنسحاب للضرر ، والسلوك هذا بات مكشوفا ، اما المؤسسة العسكرية يحتم عليها الإنضباط ، عدم الخوض فى امور تتطلب التثبت وعدم المجاراة والإكتفاء بالمبارزة فى ميادينها التى تعلم وتجيد وبالمناورة بمختلف الطرائق لبلوغ الهدف وتحقيق الإستفادة لقلب الطاولة فى وجه كل من هو لعدائها مُناصب وتجيب بعد تروٍ إن كانت مسيرات جبيت طوبرة أم إستهداف ، مستمدة من التفاف الشعب والدعم بوعى القوة والصلابة ، وتبقى الحرب بلا سقف ولا حد وتداعياتها فوق كل تصور حتى قول فصل فى الميدان أو الديوان