
Ghariba2013@gmail.com
شهد قصر الاتحادية بالقاهرة لقاءً رفيع المستوى جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي لجمهورية السودان. لم يكن هذا اللقاء مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل كان تأكيدًا على عمق الروابط الأخوية والمصير المشترك الذي يجمع البلدين الشقيقين، خاصة في ظل التحديات المصيرية التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السودانية وقضية مياه النيل.
تؤكد التصريحات الرسمية التي تلت اللقاء على أن الموقف المصري تجاه السودان لا يتزعزع، فهو مرتكز على دعائم ثابتة؛ تتمثل في الدعم الكامل لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه. هذا التأكيد يُعد بمثابة رسالة واضحة لكل من يحاول استغلال الظروف الراهنة لتهديد الأمن السوداني أو النيل من تماسكه الوطني. الرفض المصري القاطع لتشكيل أي “كيانات حكم موازية” للحكومة الشرعية ليس مجرد دعم سياسي، بل هو إدراك لمخاطر التفتيت التي تهدد السودان، ووعي بأن استقرار القاهرة مرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار الخرطوم. هذه الثوابت تجعل من مصر شريكاً استراتيجياً حقيقياً، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس السيادة السوداني بتقديره البالغ للدعم المصري المتواصل.
في سياق الجهود الرامية لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار في السودان، تم تناول أهمية “الآلية الرباعية” كإطار فعال لتسوية الأزمة. إن التطلع المشترك من قبل الرئيسين إلى نتائج ملموسة من اجتماع الآلية المقبل في واشنطن يعكس إيماناً بضرورة العمل الجماعي الإقليمي والدولي تحت مظلة موحدة. الحرب في السودان تمثل جرحاً غائراً ينزف منه الأمن الإقليمي، والتوحيد حول آلية واضحة هو الخطوة الأولى نحو ضمان وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق عملية سياسية شاملة.
لعل النقطة الأكثر حساسية وتأثيراً في مصير البلدين هي “ملف مياه النيل”. اللقاء جدد الرفض القاطع لأي إجراءات أحادية تُتخذ على النيل الأزرق، في إشارة واضحة وصريحة إلى قضية سد النهضة الإثيوبي. هذا الرفض ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو تمسك بأحكام القانون الدولي والاتفاقيات التي تحمي الحقوق المائية المشتركة.
الأهم في هذا السياق هو التأكيد السوداني على “وحدة الموقف بين مصر والسودان وتطابق مصالحهما إزاء قضية السد الإثيوبي”. هذا التوافق المبدئي هو مفتاح قوة البلدين في أي مفاوضات مستقبلية. مياه النيل هي “قضية وجود” لمصر والسودان، والتنسيق المشترك والمكثف هو الضمانة الوحيدة لحماية هذه الحقوق المائية من أي استغلال أو إضرار قد يهدد أمنهما المائي والغذائي.
خلاصة القول؛ إن لقاء القاهرة لم يكن محادثات عابرة، بل كان رسم لبوصلة واضحة توجه المسار المشترك لمصر والسودان. التحديات هائلة، سواء أكانت تتمثل في استعادة الأمن والسلم في السودان، أو في تأمين حصص مياه النيل الحيوية. لكن الرسالة الأقوى هي أن البلدين اختارا طريق “التنسيق المكثف” و”الموقف الموحد” لمواجهة هذه التحديات. هذا التلاحم هو صمام الأمان الحقيقي لـ “أمن وادي النيل”، وهو ما يجعله أمراً حيوياً للمنطقة بأسرها.