
تعيينُ آمنةَ ميرغني حسن التوم الطويل مساعدَ مديرِ عامِّ مصرفِ الساحلِ والصحراءِ محافظًا لبنكِ السودان يُعَدُّ انتصارًا جديدًا للمرأةِ السودانيةِ، بوصفِها أولَ سيدةٍ تشغلُ هذا المنصبَ الرفيعَ والمهمَّ والحساسَ.
توجُّهُ الحكومةِ “للجندرةِ” في المواقعِ الكبيرةِ ميزةٌ تُحسَبُ لها، خاصةً وأنَّ النساءَ – وبرغمِ تمثيلِهنَّ المقدَّر – لم يتقلدنَ هذا المنصبَ من قبلُ ولم يشغلنَ وظائفَ من هذا القبيل..موقعُ محافظِ بنكِ السودان استمرَّ حِكرًا على الاقتصاديينَ الرجالِ، بينما ظلَّت المرأةُ تتراجعُ عن تَسَنُّمِه رغمَ وجودِ تجاربَ نسائيةٍ مشهودٍ لها بالكفاءةِ والشطارةِ والتجويدِ.
ظلَّ تميُّزُ المرأةِ في المواقعِ التي شغلتْها اقتصاديًّا محلَّ تقديرٍ، بعد أن أظهرت آمنةُ وعددٌ قليلٌ من رصيفاتِها في الجهازِ المصرفي والمجالِ الاقتصادي – دونَ الخوضِ في الأسماءِ – كفاءةً واقتدارًا في تسييرِ دفَّةِ العملِ، وأظهرنَ نبوغًا وتوهُّجًا لافتًا عبرَ قصصٍ ورواياتِ نجاحٍ مشهودةٍ.
طرَقَ مسامعي كثيرًا اسمُ “آمنةَ” الحائزةُ على خبراتٍ عديدةٍ أهلتْها لأن تتجاوزَ إطارَ العملِ المحلي، وتتصدرَ المهامَّ المؤثرةَ في مجموعةِ دولِ الساحلِ والصحراءِ. واستطاعت آمنةُ – التي تخرَّجت في جامعةِ الخرطوم، كليةِ الاقتصاد، إدارةِ الأعمال، في العامِ 1985م – أن تُشكِّلَ رقمًا مهمًّا في دنيا المصارفِ والاقتصادِ، وتتولّى مواقعَ رفيعةً ومؤثرةً في مسيرتِها الاقتصاديةِ.
المهمُّ في الأمرِ أنَّ آمنةَ – الحاصلةَ على درجةِ الماجستير في مجالِ المحاسبةِ والتمويلِ من جامعةِ الجزيرةِ في العامِ 1997م – ليست غريبةً عن بنكِ السودانِ المركزي، فقد التحقتْ به في العامِ 1986م أي بعد عامٍ واحدٍ من تخرُّجِها، وقبل 39 عامًا، حيثُ عملت في معظمِ إداراتِ البنكِ المركزي، وكان آخرُ منصبٍ لها “مديرَ عامِّ إدارةِ الأسواقِ المالية” حتى العامِ 2020م.
وصلت آمنةُ إلى قِمَّةِ إداراتِ البنكِ المركزي بعد مرورِها بعدةِ مواقعَ وأدائِها لجملةٍ من المهامِّ التي أهلتْها لقيادةِ العديدِ من الإداراتِ داخلَ بنكِ السودان، وفي هذا الجانبِ يتحققُ مبدأُ أهميةِ تعيينِ التكنوقراط في قيادةِ مؤسساتِ الدولةِ الكبيرة، وهو من المعاييرِ اللافتةِ التي أعلنَها الدكتورُ كامل إدريس رئيسُ الوزراءِ شرطًا لاختيارِ طاقمِ الحكومةِ.
تحتفظُ آمنةُ كذلك بالبعدِ المنهجيِّ القائمِ على الاستراتيجياتِ والتخطيطِ، وهي من مصرفيينَ قلائلَ يعتنونَ بهذا الجانب، فقد عملتْ بمركزِ البحوثِ والاستشاراتِ الصناعيةِ في العامِ 1985م، قبل أن تنتقلَ للعملِ ببنكِ السودانِ المركزي عامَ 1986م.
وتُعَدُّ آمنةُ – المحافظَ الجديدَ – من الكفاءاتِ التي أظهرت أداءً مميَّزًا وهي تشغلُ منصبَ مديرِ عامِّ مطابعِ العملةِ حتى 2022م، وهو موقعٌ أتاحَ لها الخوضَ في تفاصيلَ مطلوبةٍ في مواصفاتِ مديرِ البنكِ المركزي.
آمنةُ المصرفيةُ المميَّزةُ كلَّلت رحلتَها الطويلةَ مؤخرًا بشغلِ وظيفةِ مساعدِ مديرِ عامٍّ بمصرفِ الساحلِ والصحراءِ التابعِ لمجموعةِ دولِ الساحلِ والصحراءِ، وهو موقعٌ لا يبلُغُه إلا ذوو الخبراتِ المعتَّقةِ في مجالِ الاقتصادِ والعملِ المصرفي.
إعفاءُ المحافظِ السابقِ برعي كان متوقَّعًا نظرًا لكثيرٍ من الأخطاءِ والكُيُواتِ التي لازمتْ أداءَه، رغمَ قيامِه بمجهوداتٍ مقدَّرةٍ في زمنٍ صعبٍ، ولكنَّ ضوائقَ الاقتصادِ الحاليةَ – وقد فقدَ الجنيهُ 99% من وزنِه خلالَ الفترةِ الماضيةِ، وتراجعت قيمتُه خلالَ الثلاثةِ أشهرٍ الماضيةِ فقط بنسبةِ 38% حيثُ وصلَ سعرُ الدولارِ إلى 3360 جنيهًا اليومَ – يحدثُ كلُّ هذا وسطَ تخبُّطٍ في سياساتِ بنكِ السودان، أبرزُها التعاملُ مع صادرِ الذهبِ، وما لازَمَ تغييرَ العملةِ من تشوُّهاتٍ، إذ لم يكن استبدالًا بل كان طباعةً دونَ تغطيةٍ فاقمتْ من التضخُّمِ الذي انعكسَ وبالًا على الأسعارِ، فضاقتْ وساءتْ أحوالُ الناسِ الذين يواجهونَ الآنَ الغلاءَ وشظفَ العيشِ والموتَ المجانيَّ على أبوابِ المستشفياتِ المغلقةِ بسببِ العوزِ والفقرِ والجوعِ.
“على كُلٍّ” يفتحُ تعيينُ آمنةَ في منصبِ محافظِ بنكِ السودان كُوَّةَ أملٍ جديدةً، ومن شأنِ الخطوةِ تعبئةُ شراعِ حكومةِ كامل إدريس بتطورٍ يدفعُ بها إلى المرافئِ التي يرتجيها المواطنُ السوداني. فاستمرارُ الفشلِ في أداءِ بنكِ السودان كادَ أن يُفقِدَ السودانيينَ الأملَ في الحياةِ وفي حكومةِ الأملِ.
وبالتوفيقِ لآمنةَ.