
*لعل القرار الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، والقاضي بإعفاء برعي الصديق من منصب محافظ البنك المركزي لم يكن مفاجئاً، بل يرى كثير من المراقبين بأنه جاء متأخراً، وذلك من واقع الفشل الذي لازم إدارة برعي للبنك المركزي الفترة الماضية، ولاتخفى أهمية البنك المركزي الإستراتيجية وحساسية المرحلة والبلاد تخوض حرباً في اتجاهات متعددة كان ولايزال الإقتصاد أحد ساحاتها.
*فشل السيد برعي في مواجهة حرب الإقتصاد التي شنتها المليشيا وأعوانها وذلك عبر التلاعب في سوق العملة، وضخ العملات المنهوبة من البنوك والبنك المركزي نفسه في الأسواق وإستخدامها في محاربة الإقتصاد وشراء الدولار والذهب.
*تلكأ المحافظ المقال في تغيير العملة رغم وضع المليشيا يدها الآثمة على الكتلة النقدية في كل ولاية الخرطوم، في المصارف والمتاجر والمنازل، بصورة كانت مثار إستغراب إن لم نقل تشكيك في أسبابها، ولم تكن المبررات التي ساقها برعي في تأخير تغيير العملة مقنعة وقد ضجت وسائل الإعلام وتحدث المختصين عن التأثير السالب لهذا التأخير المتعمد في التغيير.
*حتى بعد أن شرع البنك المركزي في تغيير العملة بعد أكثر من عام على الحرب، حصرها في الولايات الآمنة وترك العملة القديمة تعمل في الولايات الأخرى تتداولها المليشيا وأعوانها ،ولم يتم إيقاف التداول بالعملة القديمة حتى اليوم في الخرطوم والجزيرة وهذا لعمري أمر مثير للريبة.
*كانت النتيجة الطبيعية لهذا التراخي فشل البنك المركزي في السيطرة على سعر الصرف واقتراب الدولار من حاجز الأربعة الف جنيه، صحيح للحرب تأثيراتها من توقف الإنتاج ونضوب الموارد وشح الإيرادات، ولكن بالمقابل سياسات بنك السودان لم تكن في مستوى التحدي، ولم يضع المحافظ وفريق عمله ترياقاً ناجعاً للحد من هذه التأثيرات الضارة بالإقتصاد الوطني وتباطأ في اتخاذ القرارات السهلة مثل تغيير العملة وإيقاف المضاربات .
*أكثر برعي من الحديث الإعلامي والتبشير بالقدرة على السيطرة على سعر الصرف والإستقرار الإقتصادي، دون وجود تحول حقيقي على أرض الواقع يسند حديثه، فقد ظل سعر الصرف يتدهور بسرعة مخيفة ومرعبة وانعكس على معاش المواطن وإرتفاع التضخم وغلاء الأسعار، وضاق بالناس الحال وزادت معاناتهم من الحرب أضعاف مع متوالية إرتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة.
*حتى قرار اللجنة الإقتصادية بإحتكار بنك السودان لصادر الذهب اتفق الناس أو اختلفوا حول جدواه وصحته، فشلت إدارة برعي في تنفيذه وتحديد آليات ومنافذ شراء وتجميع الذهب لتصديره ،ليتوقف الصادر وتنفتح أبواب التهريب مشرعة.
*على أي حال انطوت صفحة برعي الصديق بكل سوءاتها وسياساتها الفاشلة ، وماكان مفاجئاً في قرارات رئيس مجلس السيادة هو تعيين السيدة آمنة ميرغني حسن التوم الطويل محافظاً للبنك المركزي كأول سيدة تشعل هذا المنصب الرفيع وهو تحدي سيشكل دافعاً كبيراً لها لتحقيق النجاح.
*والسيدة آمنة حسب ماتداول عنها وشهادات من عملوا معها، تتكئ على سيرة جهيرة في مجال الإقتصاد والعمل المصرفي ستعينها على تجاوز المطبات في إدارة هذه المؤسسة المهمة، فهي خريجة كلية الإقتصاد جامعة الخرطوم إدارة الأعمال ،وعملت بالبحوث والإستشارات الصناعية وعملت بعدد من ادارات البنك المركزي، ومديرة الأسواق المالية ومديرة مطابع العملة ومساعدة مدير عام مصرف الساحل و الصحراء.
*المتوقع والمرجو من السيدة آمنة العمل بشكل عاجل على إختيار فريق عمل بخبرات واسعة من داخل وخارج ادارات البنك المركزي ووضع سياسات مالية مواكبة وقادرة على إحداث تغيير حقيقي لإنتشال العملة الوطنية من التدهور المتسارع وتحقيق إستقرار في سعر الصرف، ودعم البنوك التي شارفت على الإنهيار بسبب الحرب وغياب الرؤية والتفكير خارج الصندوق.
*والأهم منحها الثقة والتفويض الكامل مع التنسيق وتكامل وتناغم السياسات المالية والمصرفية مع وزارة المالية ورئاسة مجلس الوزراء والجهات ذات الصلة حتى يتحقق عشم العبور نحو منطقة الأمان وتعافي الإقتصاد.