الأخبار

فيما ارى.. عادل الباز يكتب : سهرة مع الرئيس البرهان بالدوحة

1
فرق كبير بين سفارة يقف على قمتها سفير “قائم بالأعمال” يسعى بالخير بين الجالية، يلتمس همومها ويلبي تطلعات أفرادها، وبين سفارة بها سفير “قاعد بالأعمال” لا يفعل شيئًا لبلاده ولا الجالية!!.
سنوات ونحن لا نعتب باب السفارة ولا نعرف مكانها تحديدًا، وفجأة الآن أصبحت قبلتنا، نذهب إليها لنقضي جميع حوائجنا، ونلتقي بالمسؤولين، ونتنادي للتفاكر حول شتى قضايا البلاد، ونتلقى كل المعلومات المطلوبة عن أحوالها.باختصار عادت سفارتنا إلى حضن الوطن بعد غربة وشوق، بفضل همة الشاب السفير بالإنابة محمد ميرغنى والعجائز المستشار سعادة اللواء عبد الحكيم جعفر، الملحق العسكرى العميد ياسر الطيب والقنصل حسن الشريف وكل شباب السفارة الذين حوّلوها إلى خلية نحل لا تهدأ.سبحان مغير الأحوال.
امس الاول زار السيد الرئيس البرهان مجمع الجوازات المزمع افتتاحه قريبًا بمباني السفارة بالدوحة، وهو واحد أهم إنجازات السفارة الآن.بهذا النشاط الجديد للسفارة الذى من المؤكد سيزاد زخمة بعد وصول السفير الجديد بدر الدين قريبا، عموما وجد لقاء البرهان أرضية مختلفة عن سنوات سابقة اتسمت بالجمود و القعود.
2
المقدمة هذه جاءت بين يدي لقاء الجالية السودانية بالرئيس البرهان الأربعاء الماضي اثناء زيارة الرئيس البرهان إلى الدوحة، الزيارة التي لم تقتصر على مشاركته في القمة العربية والإسلامية، بل تحولت إلى فرصة نادرة جمعت الجالية السودانية بالرجل الأول في الدولة. اللقاء، الذي استمر ثلاث ساعات، حمل أسئلة جريئة وإجابات مباشرة، وفتح الباب لنقاش قضايا السياسة والحرب والسلام والاقتصاد.
كان وجود السيد الرئيس بالدوحة فرصة مناسبة للقاء الجالية الكبيرة بدولة قطر ومعلوم أن الجالية بقطر شأنها شأن كل الجاليات السودانية بالخارج ، مصادر أخبارها الرئيسية في الغالب هي وسائل التواصل الاجتماعي، وهي وسائل في عمومها لا يمكن الوثوق بكل ما ينشر فيها من معلومات. ولذا فإن الاستماع لأي مسئول حول ما يجري في البلاد من أحوال وأهوال وسياسات، يمثل فرصة كبرى بالنسبة لأفراد الجالية، فما بالك بالرجل الأول في الدولة.
شهد لقاء الرئيس البرهان حضورًا كثيفًا ونوعيًا، وهو ما يميز مجتمع الدوحة الذي تتألف فيه نخبة المهنيين والخبراء العسكريين والمثقفين الكبار والمفكرين والسفراء السابقين وغيرهم. إنه مجتمع واسع وراقي ويحظى باحترام أهل البلاد والمقيمين.
3
أكثر من خمسين سؤالًا طُرحت خلال ثلاث ساعات على السيد الرئيس في اللقاء. أجاب عليها كلها بأريحية تامة، لم يترك سؤالًا بلا إجابة، بل كان يطلب المزيد من الأسئلة من المشاركين في اللقاء الذي قُدمت خلاله مقترحات، وبُثت شكاوى، وطُرحت استفسارات، وكلها اعتنى بها الرئيس في معرض إجاباته وردوده على أفراد الجالية. سأختار عرض ثلاث قضايا مهمة أجاب عليها السيد الرئيس في اللقاء.
كان أهم سؤال حظي باهتمام وتغطية إعلامية واسعة لاحقًا هو موقف الرئيس والدولة السودانية من بيان الرباعية. قال الرئيس إنه ابتداءً لم يتم التشاور معهم في البيان ، وهم ليسوا طرفًا فيها اصلا ، وبذا هم غير معنيين بما تُعلن عنه من نتائج وبرامج ولا تلزمهم بشيء. وقال إن على المجتمع الدولي أولًا إلزام الميليشيا بإنفاذ قرارين صادرين من مجلس الأمن الدولي يقضيان بمنع السلاح عن دارفور وفك الحصار عن مدينة الفاشر، ثم بعد ذلك له ان يتحدت عن خارطة طريق.
وذكر أنهم أصدروا خارطة طريق واضحة سلموها للمجتمع الدولي وكل المعنيين، أول بنودها أن وقف إطلاق النار يتم بعد خروج الميليشيات من المدن التي دخلوها بعد إعلان جدة، ويتمركزوا في معسكرات لحين النظر في أوضاعهم. وقال إن على المجتمع الدولي أن يلزم الداعمين للمليشيا بالتوقف عن إمدادها بالسلاح ودفعها للذهاب إلى المعسكرات.
وأوضح السيد الرئيس هنا أن الدولة الداعمة للتمرد إذا اعترفت بدعمها وتوقفت عنه، يمكن الجلوس والتفاوض معها، ولكن ليس قبل ذلك. وتساءل: إذا كانت تنكر أنها تدعم التمرد، فعلى ماذا يتم التفاوض معها؟.
واكد العفو العام مستمر لكل من يضع السلاح ويعود لحوضن الوطن وحتى المعارضين الداعمين للمليشيا اذا ماعادوا الى رشدهم ودعموا موقف الوطن يمكن القبول بهم.
وكان الرئيس في مفتتح اللقاء قد ذكر بأن الدولة قد أعلنت منذ وقت طويل أن دولة الإمارات دولة معتدية، وأن ما يجري في السودان عدوان إماراتي صريح، وتم الدفع بالاتهام والأدلة لمجلس الأمن والمحاكم الدولية، ولا يزال ذلك هو موقفها من العدوان الإماراتي.
وفي ذات السياق ذكر أنهم تواصلوا مع ثلاث دول موقعة في بيان الرباعية وشرحوا رأيهم في البيان، وألمح إلى أنهم وجدوا تفهمًا لموقفهم، ولم يزد على ذلك.
4
القضية الثانية، والتي أثارها أكثر من متداخل في اللقاء، هي الموقف العسكري في الميدان، وبخاصة الموقف في الفاشر. وكانت إجابة السيد الرئيس أن الأوضاع في الميدان العسكري تمضي كما تم التخطيط لها مسبقًا، وأن الاستراتيجية تقوم على إضعاف قدرات العدو. وقال إن الناس يتحدثون عن بطء في التحرك،”نحن نتحرك وفق خطط ومعلومات، وهي نفس الخطة التي اتخذت في مناطق أخرى وأدت إلى نتائج جيدة، كما حدث في سنار ومدني والخرطوم وغيرها، وكان الناس يتحدثون أيضًا عن بطء في التحركات”. وفي هذا المنحى أكد أنهم سيصلون الفاشر ويفكون الحصار عنها، وهم الآن مجتهدون في إيصال الأغذية والمعينات الأخرى لها، ولم يتوغل في مزيد من الشرح، وكان ذلك مفهومًا في مثل تلك اللقاءات.
5
القضية الثالثة تتعلق بالضغوطات الخارجية، التي قال عنها إنها تُستخدم كـ “فزعات” لتحقيق أغراضها، مثل استخدام فزاعة الإسلاميين. وقال: “هم يعلمون أننا لا نخضع لأي جهة، والإسلاميون يقاتلون مع القوات المسلحة مثلهم مثل جميع أفراد الشعب”. وأضاف أن المحظور هو عمل أي حزب داخل القوات المسلحة، أما الأفكار التي يعتنقها الناس — أيًا كانت — فلا يمكن منعها ولا شأن لهم بها. وقال أيضًا إنهم يستخدمون فزاعة العلاقة بإيران، وأضاف: “هم يعلمون أن علاقتنا مع إيران مثلها مثل علاقتنا مع أي دولة، ولا تتميز بأي وضع أو قاعدة لإيران في السودان”. أما التحالفات الدولية، فقال إن الهدف منها تحقيق مصالح السودان، وعلى مبدأ الندية والتكافؤ وتحقيق المصالح المشتركة، ولن يخضع السودان لأي تحالف يحاول أن يحقق مصالحه على حسابه.
6
في الختام وعد الرئيس بدراسة كثير من المقترحات التي وردت في اللقاء، وتكوين آلية لنقل كثير منها للواقع العملي، وخاصة تلك التي تتعلق بمستقبل البلاد والعلاقات الخارجية والإعلام والوضع الاقتصادي. وأكد أنهم منفتحون لأي أفكار يمكن أن تساهم في بناء دولة المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
كان اللقاء في مجمله مثمرًا، أجاب الرئيس فيه على الأسئلة التي تدفقت من الحضور بأريحية كاملة. في ختام اللقاء لم ينسَ سيادته الثناء على دولة قطر وشكر شعبها وأميرها على دعمهم المتواصل للشعب السوداني في كل المحافل الدولية، والدعم الإنساني المتدفق من منظماتها العاملة في السودان، وفي كل المناحي الأخرى التي ساندت فيها دولة قطر السودان في وقت صعب.كان اللقاء بمثابة جلسة حميمة بين القيادة والجالية اكدت بأن السودانيين في قطر ليسوا بعيدين عن معترك الوطن، وأن صوتهم مسموع واقترحاتهم مقبولة في لحظة فارقة من تاريخ السودان.
في نهاية اللقاء خرج أعضاء الجالية مطمئنين عمومًا على الأوضاع، وهو الإحساس الذي نقله لهم الرئيس، وشاكرين للسفارة وطاقمها الفرصة التي أتاحتها لهم بهذا اللقاء، وهو الأول من نوعه مع الجالية في قطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *