
كان ذياك زمانا للرومانسية التي اسرت الانسان في كل بيئاته ، انداحت اطيافا من العطر الجميل،
النيل لا يخلف وعدا ، تنمو على الشط فراديس خضر ، وبراعم الفنون في اجناس الادب والموسيقى ، تزدهي كل يوم، تتفتق٠٠ اذاعة
امدرمان تبث الوانا من مبتكرات الابداع وجلائل الغناء ، عبدالرحمن الريح ،( العراب) الذي اودع القلوب
شغفا باغنيات رشيقات أروت ظمأ المستمع من صالون ( حقيبة الفن)
ها هو ذا يرتب اوتار العود يخطو
نحو افق جديد من التجليات، ثم
بدا زمان اغنيات المدرسه الوترية،
صدحت اصوات ، ملأت الفضاء شدوا بديعا٠
ثم تنبه المستمع لصوت طروب
يتسلل الى القلوب ، صوت مسكون
بدفء ولطف اهل السودان ، كلمات
مأخوذة من افواه الناس ، يحيلها
ذلك الاسمر النحيل بطاقات ، شارات
رسمت خطوطا على كتاب الغناء السوداني٠
هيأت الايام لقاءا بين اسماعيل حسن ، والمدرس القادم من ارض
الحضارات القديمة، يحمل في
ضفاف الذاكرة غناء النهر للسهول
الخضر اليانعات ، غناء موسوم باصالة رصينة٠
هكذا شاء القدر ٠
كان لقاءا بعد تسفار طويل ، كانهما
كانا على موعد ، التقيا كما النيلين٠
وبدات الاغنيات تطير في الفضاءات
محلقة كالعصافير٠ بدأت مواكب
ومهرجانات للغناء الجديد٠
كان اسماعيل حسن يكتب اغنياته
بادراك ووعي تامين ، كان يغني للمدينة، بلغتها ، احاسيس اهلها،
غير انه يخضع كل ذلك لمنهج
التذوق ، وهل كانت المدينة الا قرية
كبيرة ؟صوت وردي نقل تلكم الكلمات ، بسهولتها، بعميق دلالاتها
الى المستمع ، كان غناءا جديدا، يخاطب الوجدان ، يمس القلب مسا
رقيقا ؛ وامتلأت شرايين الاثير ،
غمامات بيض من سحر ( هاروت)
تغشى الساحات والحدائق ومجالس
الانس، في المقاهي ، غرف الطلاب
وليالي الانس والمسامرات٠ في الاعراس٠
وانك لا تستطيع الاحاطة بذلك
العصف الغنائي الذي لا ينتظر٠٠
تتوالى الاغنيات، تترى، تسمع
(نور العين )(لو بهمسة) (الحبيب) (المستحيل ) (صدفة )وغيرها من
اشجار الغناء ، زهرها، وثمرها وعطرها وظلها الحرام٠
ثم لا ينسى اسماعيل اصدار غناء
تراثي فكتب ( القمر بوبا) و( الريلة)،
وردي وهو يسجع ، سجع الحمام بصوته العذب الساحر، يضعك امام احساسين، ادناهن لوعة
وهيام ، كهيام ذاك النهر ( اذ يستلهم
حسنا) ، طرب النيل وطربنا ، طرب
كل شيء ايها الهرم الاكبر ، ومن اي
بيدر اي دوح حظيت بكل هذا الاقتدار البديع ، انه اعادة باستزادة
وتجويد عال لمجد الغناء العربي، منذ ايام (الرشيد ) و(زرياب)٠
ذات امسية ندية ، في ليلة من
ليالي المسرح ، انتظر الجمهور
المفتون الاغنيات الجديدة لمحمد وردي، صعد الكروان، غنى ما لم
يالفه الناس في مواسم اغنيات
وردي، وكانت ( قسم بمحيك البدري)٠٠كان سحرا ، سحرا محضا
تسرب النغم الى قلوب رواد المسرح
ايقظ وردي ورود الغناء التي غفت،
اعاد الرواد الى ايام( كرومة) بعد
طول غياب ، ادخل الفنان محبيه
في (البوم) الغناء الاصل ، الغناء
باكواب من سلسبيل ذلك الجيل المؤسس٠
الم اقل ان محمد وردي ، فنان لكل
الازمنة؟
التقيكم مرة، ربما اكثر مع وردي.