
محمد عثمان وردي، هذا فضاء يعجز طائر النار عن ادراكه، هو ظاهرة ، مشهد تجريدي تداخلت فيه
خيوط متباينة، اختلفت، ثم اخضعها
الساحر الملهم، فكانت لوحة، لوحات
بهية الجمال تتصل بالانسان، احاسيسه ونبض قلبه٠ ومحمد وردي ابن بيئته، وللجزر اثر، ذلك
لطبيعة المكان، وما فيه من بعض
عزلة، هذا اكسب الفنان حساسية
بالغة ، فليل الجزيرة يسكب في
الروح شيءا من لوعة، يبدو الصوت
تعتريه رنة حزن لا يخفى، ومن المأثور: ان الحزن سيد الفرح٠
وللنخلة حضور في المخيلة، وما
اشبه وردي بنخلة ارسلت جذورا
عميقة في رحم التربة ، وهذا بعض
ما نراه من جسارة وردي والتزامه
بمعتقده، سنرى ذلك في حكايا نوردها لاحقا٠
هيأت الاقدار وردي ليكون فنانا،
فنانا لا غير، فنانا في كل اطياف
الفن، فهو الموسيقار، المغني، الملحن، ووردي المدرس هو الفنان،
وليس المعلم الا فنان لا ريب٠
كانت اغاني اهلنا النوبيين يعتريها
بعض وجد ولمحة حزن، كان صديقنا الفنان، في يفاعته مغرم بالغناء، كان يقضي اوقاتا في بساتين النخيل، كان يغني، يعلي
صوته عاليا، عاليا، حتى يتجاوز
رؤؤس النخيل، ثم ينتظر صدى الصوت، يعيده مرة، مرات، كان
صوته يطرب العصافير ، تنتظم
في سكون وهي جزلى، وكانها
جمهور مدنف، صب٠
في درس اللغه العربية، كان التلاميذ
الصغار يتشوقون، يعدون اسماعهم
فالمدرس الجديد يحيل الاناشيد
ملزمات من الالحان العذبة الشجية٠
ثم عبر الفنان الى العاصمة ، حيث
تدور منظومة الابداع الفني الغنائي٠
كانت السجانة، موئل المدرسة الوترية الراسخ، التقى خليل احمد
الملحن ذائع الصيت، وله قربى مع
وردي، ثم التقى سماعين حسن( ود حد الزين) ، وبدا عهد من التطريب
الرائق ، وكأن الايام تعيد ايام (الموصلي) و(معبد٠)٠محفل فني
صغير ،كونته روافد حية في ملتقى النيلين، رشفت من ثقافة
ومغتنيات اهل السودان الفنية،
كان نزار قباني والرحبانية وفيروز
يعطرون الامسيات بغناء هو التراتيل البديعه٠٠٠من مقرن النيلين
اطلت زهرات الغناء الطروب، تفتحت، اطلقت عطرا. ومدت ظلا٠
بدا محمد عثمان وردي كبيرا، طوى سلم التدرج طي الحجاب٠٠
كان يغني في بدء ايامه في الاستديو من اذاعة ام درمان،
كان صوتا غريبا على مسمع الناس٠
بعد انتهاء اللحن، كان علي شمو
ينتظر وردي امام باب الاستديو،
ثم همس في اذن وردي: شخصية
كبيرة تود مقابلتك٠٠٠وكان ذلك
خضر حمد، عضو مجلس السيادة،
ادهشه اللحن، فتأمل قيمة الفنان
وقمة التذوق الراقي٠٠وخضر حمد
هو صاحب نشيد ( المؤتمر)
هذه اضاءة تعقبها حلقات نستهلها
بحقبة الرومانسية٠