الأخبار

للحقيقة لسان .. رحمة عبدالمنعم يكتب: مجلس الأمن..قرار آخر قادم؟

ليس جديداً أن ينعقد مجلس الأمن لبحث التطورات في السودان، لكن الجديد في كل مرة هو حجم التكرار، وعمق التجاهل، وبلاغة العجز ،الجلسة المرتقبة اليوم الإثنين في نيويورك، التي دعت إليها المملكة المتحدة والدنمارك، تُضاف إلى سلسلة اجتماعات تبدي “القلق البالغ”، ثم تغادر دون أثر يُذكر سوى أرشيف لغوي مكتظ بالبيانات.

العنوان هذه المرة هو الفاشر، المدينة السودانية العريقة التي تحولت إلى مسرح لأقسى صور الحصار في العصر الحديث، تُحاصرها مليشيا الدعم السريع ،وتمنع عنها الغذاء والدواء والماء، بينما يصر بعض أعضاء مجلس الأمن على الحديث عن “طرفي النزاع”، وكأن الجلاد والضحية سواء.

في الفاشر، لا تدور حرب، هناك عدوان ،مليشيا تمرّدت على الدولة، وارتكبت من الفظائع ما يشهد عليه تراب المدينة وذاكرة سكانها،ومع ذلك، يصر بعض في هذا العالم المتحضّر – أو هكذا يصف نفسه – على التعامي عن هذه الحقيقة الجوهرية: أن الجيش السوداني، رغم كل القيود والضغوط، يقاتل دفاعاً عن شعبه ووطنه، لا طمعاً في سلطة ولا انتقاماً من خصم.

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، أصدر مجلس الأمن أكثر من قرار: دعا إلى هدنة، ثم إلى ممرات إنسانية، ثم إلى رفع الحصار عن الفاشر، لكن قراراته لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ليس لأن الحكومة السودانية رفضت، بل لأن المليشيا لا تعترف بمجلس أمن ولا بقانون دولي، تعترف فقط بقانون السلاح.

في يونيو من العام الماضي، صدر قرار أممي واضح بفتح الطريق نحو الفاشر وإدخال المساعدات الإنسانية، لكنه ظل حبيس الورق ،لم يُنفّذ ،ومع كل نداء إنساني، يُعاد إنتاج الجواب نفسه: الطرفان يتحملان المسؤولية، وكأن العدالة لعبة توازن لغوي، تُخفف فيها الجريمة باسم “الحياد”.

ورغم المجاعة التي تقترب من الفاشر، ورغم انهيار الأوضاع الإنسانية، ما زال بعض المجتمع الدولي يساوي بين من يهاجم المدن ويمنع عنها الإغاثة، ومن يواجهه دفاعًا عن وحدة التراب الوطني، في المقابل حافظت الدولة السودانية على موقف واضح لا لبس فيه: أن المساعدات تمر عبر مؤسساتها الشرعية، وأن من يحاصر المدن لا يمكن مكافأته باتفاق سياسي أو تفويض دولي.

وهنا تتكشف المفارقة الكبرى: روسيا، على خلاف دول غربية، اتخذت موقفاً ثابتاً، داعماً لموقف الدولة السودانية وجيشها الوطني، استخدمت حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لتعطيل مشاريع إدانة غير متوازنة، رافضة القفز فوق حق السودان في الدفاع عن سيادته ،أما محاولات أخرى – أغلبها أوروبية – فبقيت تراوح في دائرة البيانات، دون أن تقدم دعماً حقيقياً يردع المعتدي أو يحمي المدنيين.

والجلسة التي تنعقد اليوم، إن لم تتجاوز البيانات الرمزية، فستُضاف ببساطة إلى سلسلة من المحاولات التي أخفقت في وقف النزيف، لأنها لم تُسمِّ المعتدي، ولم تُنصف الدولة، لا يُطلب من مجلس الأمن أن يقف مع الجيش، بل أن يقف مع القانون، مع ميثاق الأمم المتحدة، مع حق الشعوب في الحياة دون حصار أو إرهاب.

أما السودان، فلطالما عرف طريقه وقت الشدائد، لا ينتظر عطف العالم، بل ينتظر فقط أن لا يُخذل باسم القانون الدولي، هذا هو الحد الأدنى من الإنصاف، في زمن طغت فيه البيانات على المواقف، والقلق على الفعل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *