البنك الدولي وأذرعه الخفية : تهديد للسيادة السودانية أم دعم اقتصادي ؟بقلم: د.عبدالعزيز الزبير باشا

في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالاقتصاد السوداني، يلوح في الأفق خيارٌ يبدو للبعض مخرجاً:
الاستعانة بالبنك الدولي ومؤسساته الرديفة مثل صندوق النقد الدولي ومبادرات الدول المانحة. لكن هذا الخيار، الذي قد يبدو “منقذاً” في لحظة ضعف، قد يكون في الحقيقة قيداً طويل الأمد على السيادة السياسية والاقتصادية للسودان، ويُعيد إنتاج التبعية بصيغة جديدة، أكثر خفاءً وفتكاً…
الدكتور *جبريل إبراهيم ، وزير المالية السوداني، يقف اليوم على مفترق طرق. فإذا ما اختار التوجّه نحو البنك الدولي، فإنه لا يوقّع على قرض مالي وحسب، بل على سلسلة من الشروط التي تبدأ بإصلاحات اقتصادية “مطلوبة” ولا تنتهي بتدخلات سياسية ناعمة ولكن عميقة.
*الشروط القاتلة:
*الخصخصة والتجويع باسم “ _الإصلاح_ ”
منذ عقود، اتبعت المؤسسات التابعة للبنك الدولي وصندوق النقد سياسة واحدة تقريباً تجاه الدول النامية:
خفّض الإنفاق العام، ألغِ دعم السلع الأساسية، وخصخص الشركات الوطنية. في السودان، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من الفقر، ستكون هذه الشروط كارثية. رفع الدعم عن الخبز أو الوقود أو الكهرباء، حتى لو تم تدريجياً، يعني ببساطة إشعال الشارع وزيادة معاناة المواطن، وتوسيع فجوة الفقر واللامساواة…
*التدخل في القرار السياسي
البنك الدولي لا يكتفي بالاقتصاد، بل يمتد نفوذه إلى تشكيل السياسات العامة. فجأة، تجد الدولة نفسها مطالبة بتعديل قوانين، أو تبني نماذج حوكمة معينة، أو حتى تقليص دور *الجيش* في الاقتصاد، وكل ذلك كـ “ *شروط للإصلاح”. هذه التدخلات تُقيد يد الحكومة المنتخبة ( أو الانتقالية )، وتفرغ أي مشروع وطني حقيقي من مضمونه…
*فقدان السيادة تحت شعار “ *الاندماج في النظام العالمي”
الدولة التي تقترض من البنك الدولي تصبح بحكم الواقع تحت رقابة المؤسسات المانحة. يجب أن ترسل تقارير دورية، وتنتظر الموافقة على الميزانية، بل وتخضع للتقييم من موظفين لا يعرفون تعقيدات المشهد المحلي. هذه ليست شراكة، بل وصاية مقنّعة….
*السودان ليس حالة خاصة* … *لكن خطره خاص
في بلد يعاني من حرب عدوانية شنّها “ *التمرد الإرهابي الغادر الخائن المسلح* ”، ومن تهديد بتغيير *ديموغرافي قهري* يصبح الحفاظ على السيادة *أولوية وجودية* ، لا ترفاً سياسياً. أي تدخل خارجي في القرار الاقتصادي سيكون له انعكاسات مباشرة على قدرة الدولة على الصمود، وعلى خياراتها في مواجهة العدوان…
*الخاتمة:
*لا نريد أن نُشترى بالدولار
لا أحد يُنكر أن السودان بحاجة إلى دعم مالي، لكن الدعم الذي يأتي مشروطاً ببيع القرار الوطني، ليس دعماً بل استغلال. علينا أن نبحث عن حلول تُبنى من الداخل، وتُحترم فيها كرامة المواطن والسيادة الوطنية، لا عن قروض تفتح الباب لوصاية جديدة لا تقل خطراً عن الاحتلال….
لذلك لابديل لنا إلا بالأكتفاء الداخلي و تقوية الإنتاج المحلي و مساندته ليكون هو الداعم الأساسي للمجهود الحربي….
لا تفريط ولا تهاون في مقدرات الوطن و لا مكتسباته و لا مؤسساته و لا شبر من أرضه مهما بلغ الأمر من تضحيات خالدة و عظيمة..
*وطن و مؤسسات ….
*السودان أولا و أخيراً …
*د. عبدالعزيز الزبير باشا