المقالات

محجوب أبو القاسم يكتب : كامل إدريس في اختبار الوطن

يدخل السودان مرحلة مفصلية من تاريخه السياسي مع أداء الدكتور كامل إدريس القسم رئيسا للوزراء في واحدة من أكثر المراحل حساسية وتعقيدا في تاريخ البلاد ورغم اختلاف الآراء حول شخصه بين مؤيد ومتحفظ ورافض فإن المنطق الوطني يقتضي منح الرجل فرصة حقيقية ومراقبته لا بالحسابات السياسية الضيقة بل من منطلق ما يمكن أن يقدمه لشعبٍ أنهكته الحروب وأنضجته المحن وعلق آماله على من يخاطب أحلامه لا من يركب موجة شعاراته.

إن اختيار الدكتور كامل إدريس لهذا المنصب جاء في لحظة حرجة تمر بها البلاد وهي لحظة تتطلب قيادة رشيدة متجردة تنظر إلى الوطن بعين واحدة لا بعين الانتماء الحزبي أو الولاء السياسي فالمقعد الذي يجلس عليه الان ليس مقعدا للترف أو الوجاهة بل كرسي مثقل بجراح شعب أحرقت مليشيا آل دقلو المتمردة أرضه ونزعت من حياته الأمن والاستقرار وبات يتطلع إلى يد تطبب وجعه وعقل يدير أزماته وضمير لا يساوم على مصلحته.

على الدكتور كامل إدريس أن يدرك أن هذه المرحلة لا تحتمل الأخطاء ولا المجاملات وعليه أن يكون بحجم التحدي ،فالمطلوب منه أن ينزل بعلمه من أبراج التنظير إلى واقع الحياة اليومية للمواطن ، وأن يستثمر خبراته الدولية في إعادة بناء الدولة على أسس العدل والتنمية والاستقرارلا أن يكرر أخطاء من سبقوه.

والدرس الأهم في هذا السياق هو تجنب تكرار التجربة الكارثية التي قادها سلفه عبد الله حمدوك والتي ما زال السودان يدفع ثمنها حتى اليوم فالتنسيق مع مجلس السيادة والعمل بتناغم مع المؤسسة العسكرية يجب أن يكون من أولويات رئيس الوزراء لأن أي صراع بين مكونات السلطة سينعكس مباشرة على حياة المواطنين وعلى وحدة البلاد.

كما أن المطلوب من الدكتور كامل إدريس أن يضع برنامجا إسعافيا عاجلا يبدأ بمعاش الناس ويعيد ترتيب أولويات الدولة وفقا لاحتياجات المواطن لا لضغوط الخارج فعليه أن يعمل من أجل السلام الذي يتشوق له المواطن وليس الذي يريده الخارج وأن يجعل من الأمن قضية دولة لا مجرد ملف تفاوضي وأن يبني هذا كله على قاعدة وطنية متينة تضم كل أبناء السودان لا على تحالفات ضيقة أو محاصصات حزبية.

الشعب السوداني اليوم لا يريد سوى وطن آمن ولقمة عيش كريمة ومستقبل لأبنائه لا يشبه ماضيه القريب، ويريد أن يرى رئيس الوزراء وهو يعمل كشعلة من النشاط بلا كلل ويتحدث بلغة الوطن ويتخذ قراراته من قلب الخرطوم لا من حسابات العواصم الأجنبية.

الرئيس عبد الفتاح البرهان حين منح الدكتور كامل إدريس كامل الحرية في اختيار طاقمه والإشراف على حكومته كان بذلك يضع أمامه طريقا مفتوحا لكتابة صفحة جديدة في تاريخ السودان صفحة يمكن أن تكون بداية العبور أو استمرارا للغيبوبة إن لم يحسن الاختيار والتقدير.

ما نأمله اليوم من رئيس الوزراء ليس مجرد تصريحات رنانة أو وعود براقة بل أفعال ملموسة وسياسات واضحة تبدأ بفتح أبواب الحكومة أمام أبناء الوطن الشرفاء وتنتهي ببناء دولة حقيقية تحت راية السودان أولا.

لا نريد ان نسمع مرة أخرى مصطلحات سنعبر وسننتصر التي كانت من دون إرادة عبرنا بها الى التهلكة والتشريد والنزوح واللجؤ ، فهل سيعبر كامل إدريس بالسودان إلى بر الأمان.
ننتظر وسنراقب ونكتب لان الكلمة الان هي للمواطن اولا واخيرا .

ولنا عودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *