الأخبار

للحقيقة لسان .. رحمة عبد المنعم يكتب: إلى فضيلة الشيخ (الحكيم)

الشيخ الجليل محمد هاشم الحكيم، سلامٌ على من اتقى الله وقال قولًا سديداً،سمعتك، لا كمن يلتقط من وسائل التواصل الإجتماعي أصداءً مبعثرة، بل كمن يُنصت إلى منبرٍ ظل زمناً طويلًا عنواناً للهداية، قلتَ إنك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤيا، جالساً في صالون، تحيط به وجوه سودانية بجلابيبها البيضاء، وقال لك: “الحرب انتهت”، وطلب منك أن تُبلغ الجيش والدعم السريع بضرورة التفاوض.

سيدي الكريم، لا أنازعك في رؤياك، فما بين العبد وربه غيب لا يخضع لميزان الصحف، ولا تقويم السياسة،لكنني أكتب إليك من أرضٍ لم تندمل جراحها، من وطنٍ لم ينهض بعد من تحت ركام الحريق، ومن شعبٍ لا يزال يُزيح الحجارة عن جثث أحبته،أكتب إليك لا مكذباً، بل مذكراً بما لا يصح أن يُنسى، ولا يجوز أن يُحجب عن العيان بمنامٍ أو خاطر.

تقول إن الحرب انتهت ،فأين انتهت، يا شيخنا؟ في مدن سنار التي مزّقتها مليشيا الدعم السريع وعاد الجيش فحررها؟ في ود مدني التي استُبيحت ثم استعادها ألأبطال؟ في الخرطوم التي صمدت لعامين ولم تنكس رايتها؟ في الأبيض التي فُكّ عنها الحصار؟

الجيش ، يا شيخ محمد، استعاد أغلب ولايات الوطن من قبضة الجنجويد،لم تبقَ إلا جيوب متناثرة في دارفور وأطراف كردفان، أفيُطلب من المنتصر أن يفاوض؟ وعلى ماذا؟، أتُسوى دماء الشهداء في مائدة واحدة مع من ذبح، ونهب، واغتصب، ومثّل بالجثث على أعين الناس؟ هل يُمنح المتمرد على الدولة شرعية سياسية لمجرد أن البعض رأى رؤيا؟

يا شيخ محمد، الحرب ليست خطبة جمعة، ولا الرؤى مسودات لاتفاقات سياسية، لا أحد يحب الحرب، لكن لا أحد يقبل بالهوان، لا يمكن لمن ارتكب أفظع الجرائم أن يُكافأ على فظائعه بحوار لا يبدأ حتى باعتراف أو اعتذار.

نحن لسنا ضد السلام، بل نطلبه كما يطلبه كل سوداني تعب من الفقد والتيه، ولكن السلام الذي يقوم على المجاملة هشٌ كبيت العنكبوت، السلام الحق لا يُصنع على جثث الأبرياء، بل على قواعد العدالة والحق، يُبنى حين توضع الجرائم على الطاولة، وتُرد المظالم، ويُحاسب من ارتكب الكبائر في حق الوطن والناس.

دعني أقول لك، يا صاحب المنبر، إن لك الحق أن تدعو للسلام، ولكن ليس من حقك أن تساوي بين الجلاد والضحية، بين من دافع عن تراب الوطن، ومن مزّقه وسفك دماء أهله، رؤياك لك، والله شهيد، لكن الأوطان لا تُقاد بمنامات، بل تُبنى بالعقل والضمير والقانون.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صحاح الحديث، لا في الرؤى: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”. قيل: ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: “تأخذ على يديه”،فخذ على يد من ظلم، وقُل له توقف، قبل أن تنصح من قاوم ظلمه.

ولك من هذه السطور ما أرجو أن يكون نصيحة صادقة، لا خصومة، وحرقة قلب لا كيد قلم، السودان اليوم لا يحتمل أنصاف المواقف ولا الخطب الرمادية،آن أوان الصدق الكامل، والحق الذي لا يلتبس.

مع التقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *