مقال

شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب : تكامل التوسع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي المستدام في السودان

Ghariba2013@gmail.com

يواجه السودان، كغيره من الدول النامية، تحديات جسيمة في تحقيق الأمن الغذائي المستدام، لا سيما بعد الدمار الذي خلفته الحرب الحالية. ومع ذلك، يمتلك السودان إمكانات زراعية هائلة تمكنه من تجاوز هذه التحديات وتحويلها إلى فرص. ولتحقيق ذلك، يصبح تكامل استراتيجيات التوسع الزراعي الأفقي والرأسي ضرورة قصوى لضمان مستقبل غذائي آمن ومستقر للأجيال القادمة.
يشير التوسع الزراعي الأفقي إلى زيادة المساحة المزروعة من الأراضي. يتمتع السودان بمساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، خاصة في مناطق السهول الرسوبية والأراضي القابلة للاستصلاح. بعد التعافي من النزاع، يمكن البدء في استصلاح وتجهيز هذه الأراضي، مع التركيز على المناطق الآمنة والمستقرة. تتضمن هذه الاستراتيجية، حصر وتصنيف الأراضي الزراعية لتحديد الأراضي الأكثر ملاءمة للزراعة وتصنيفها حسب نوع التربة والموارد المائية المتاحة.
تطوير البنية التحتية بإنشاء شبكات الري والصرف، وشق الطرق الزراعية لتسهيل وصول المدخلات والمحاصيل، وتوفير التمويل والدعم بتقديم قروض ميسرة ودعم فني للمزارعين، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في القطاع الزراعي، وتبني سياسات حكيمة لحيازة الأراضي لضمان توزيع عادل للأراضي ومنع الاحتكار، مع الأخذ في الاعتبار حقوق المجتمعات المحلية.
يهدف التوسع الأفقي إلى زيادة حجم الإنتاج الكلي للمحاصيل الغذائية، مما يسهم في سد الفجوة الغذائية وتوفير مخزون استراتيجي للبلاد.
بينما يركز التوسع الأفقي على زيادة المساحة، يهدف التوسع الزراعي الرأسي إلى زيادة الإنتاجية من نفس المساحة المزروعة. هذه الاستراتيجية حيوية بشكل خاص في المناطق التي تكون فيها الأراضي الزراعية محدودة أو عندما يكون هناك ضغط على الموارد الطبيعية. تشمل آليات التوسع الرأسي، استخدام بذور محسنة عالية الإنتاجية وتوفير أصناف مقاومة للأمراض والجفاف وتتكيف مع الظروف المحلية، وتطوير البحث العلمي الزراعي.
تبني تقنيات الزراعة الحديثة باستخدام أنظمة الري الحديثة (مثل الري بالتنقيط أو الرذاذ) لترشيد استهلاك المياه، وتطبيق الزراعة الدقيقة التي تعتمد على تحليل البيانات لتحسين استخدام الأسمدة والمبيدات، وتحسين الممارسات الزراعية بتدريب المزارعين على أفضل الممارسات في إعداد التربة، وتناوب المحاصيل، ومكافحة الآفات والأمراض بطرق مستدامة.
استخدام البيوت البلاستيكية ( الزراعة المحمية ) ازراعة المحاصيل ذات القيمة العالية، وتوفير الظروف المثلى للنمو بغض النظر عن الظروف الجوية الخارجية، وتعزيز الزراعة المائية والرأسية (Hydroponics & Vertical Farming)، فعلى الرغم من أنها قد تكون مكلفة في البداية، إلا أنها توفر حلولًا مبتكرة لإنتاج الغذاء في مساحات صغيرة باستهلاك أقل للمياه، ويمكن أن تكون مفيدة لإنتاج محاصيل معينة.
يهدف التوسع الرأسي إلى تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، وتقليل الهدر، وزيادة الكفاءة في الإنتاج.
لا يمكن لأي من الاستراتيجيتين أن تحقق الأمن الغذائي المستدام بمفردها. بل يجب أن تتكاملان وتدعمان بعضهما البعض. بعد التعافي من الحرب، يمكن للسودان أن يتبع نهجًا متعدد الأوجه:
المرحلة الأولى: إعادة الإعمار والتأسيس: التركيز على استعادة البنية التحتية الزراعية المتضررة، وتأمين المناطق المنتجة، وتوفير المدخلات الأساسية للمزارعين (بذور، أسمدة، أدوات). في هذه المرحلة، يمكن البدء في استصلاح الأراضي الأقل تضرراً وتطبيق بعض الممارسات الزراعية المحسنة.
المرحلة الثانية: التوسع المتوازن: بعد استقرار الأوضاع، يمكن البدء في خطط طموحة للتوسع الأفقي في الأراضي البكر، بالتوازي مع تكثيف جهود التوسع الرأسي في الأراضي المزروعة بالفعل. يجب أن يكون هناك تخطيط شامل يحدد المناطق الأنسب لكل نوع من التوسع. على سبيل المثال، قد تكون الأراضي الشاسعة في شرق السودان ملائمة للتوسع الأفقي لزراعة المحاصيل الحقلية، بينما يمكن استخدام تقنيات الزراعة الرأسية والذكية في مناطق قريبة من المدن لتلبية احتياجات الخضروات والفواكه الطازجة.
المرحلة الثالثة: الابتكار والاستدامة: التركيز على البحث والتطوير، وتشجيع الابتكار في التقنيات الزراعية. يجب أن تكون الاستدامة في صميم كل استراتيجية، مع التركيز على إدارة الموارد المائية، وحماية التنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر. يجب أيضًا دعم المزارع الأسرية الصغيرة وتسهيل وصولهم إلى الأسواق والخدمات الإرشادية.
إن تحقيق الأمن الغذائي المستدام في السودان بعد الحرب ليس مجرد هدف اقتصادي، بل هو ركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي والسلام الدائم. من خلال تبني رؤية شاملة تجمع بين التوسع الزراعي الأفقي المدروس والتوسع الزراعي الرأسي المبتكر، يمكن للسودان أن يخطو خطوات واسعة نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ويتحول من بلد يعاني من نقص الغذاء إلى سلة غذاء للمنطقة. يتطلب هذا التزامًا سياسيًا قويًا، واستثمارات كبيرة، وتعاونًا وثيقًا بين الحكومة والمزارعين والمجتمع المدني والشركاء الدوليين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *