مقال

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب: ما هو المطلوب..!

*”في الأزمات الفاصلة يكون الأكثر جرأةً هو الأكثر أماناً”.. هنري كيسنجر..!*

السياسة التي انتهجتها حكومة البرازيل مع الأمريكيين عند دخول أراضيها ما تزال من أبلغ سوابق المعاملة بالمثل في تقاليد المجتمع الدولي، فالأمريكي الذي فرضت بلاده تصوير القادمين إليها وأخذ بصماتهم في المطارات تم التعامل معه بذات السياسة التي تفرضها بلاده على الآخرين، والحشاش يملا شبكتو ..!

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام تطبيق ذات المبدأ قبل نحو عقدين من الزمان بين دولتين جارتين أقل ما يقال عنهما أنه لا مقارنة بين حجم القوة الاقتصادية ومقدار الحظوة السياسية لكل منهما بين حكومات دول العالم الأول “السعودية وسوريا”..!

إذن ليس صحيحاً أن سياسة المعاملة بالمثل ينبغي أن تخضع لتوازن القوى طالما أن الإحراج شعور دولي وطالما أن الإهانة سلوك دولي، ومن يهن يسهل الهوان عليه ..!

أما قطع العلاقات احتجاجاً على أي شكل من أشكال العدوان فهو أكثر ضروب المعاملة بالمثل حدة واستبياعاً إن جاز التعبير، وهو من أكثر ردود الأفعال التي تؤتي أكلها في كف بعض الأذى على الأقل..!

وهناك عدة أمثلة تاريخية ومعاصرة على تصعيد الخلافات أو قطع العلاقات حينما يؤدي دعم إحدى الدول لحركات معارضة أو انفصالية أو حرب أهلية في دولة أخرى إلى توتر دائم أو إلى قطع العلاقات من أساسه..!

قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب اتهامات بدعم الرباط لجماعات معارضة داخل الجزائر، إلى جانب الخلافات حول ملف الصحراء الغربية. وعندما دعمت ليبيا بقيادة معمر القذافي متمردي جبهة التحرير الوطنية التشادية تسبب هذا الأمر في قطيعة دبلوماسية ومواجهات عسكرية انتهت بتدخل فرنسي وإخراج للقوات الليبية من تشاد..!

وعندما دعمت الصومال حركات انفصالية في إقليم أوغادين الإثيوبي أدى ذلك إلى قطع العلاقات بين البلدين عدة مرات، وقد قامت إثيوبيا بدورها بدعم مليشيات معارضة للحكومة الصومالية، وتدخلت عسكريًا عدة مرات..!

وقبل اندلاع هذه الحرب اتهمت الخرطوم أديس أبابا بدعم مليشيات مسلحة في إقليم الفشقة كما اتهمت إثيوبيا السودان بدعم جبهة تحرير التيغراي، وقد أدىى ذلك إلى قطع العلاقات فضلاً عن بعض المواجهات العسكرية المحدودة..!

وقد حدث أن توترت العلاقات بين أذربيجان وإيران عندما اتهمت الأولى الثانية بدعم الحركات الأرمينية الانفصالية في إقليم كاراباخ، بينما اتهمت طهران باكو بالتعاون مع إسرائيل لتهديد أمنها،وهكذا قطعت إيران بعض العلاقات التجارية والعسكرية مع أذربيجان، وتصاعد التوتر الدبلوماسي..!

أما الهند وباكستان فتتهم كلاهما الأخرى بدعم الحركات الانفصالية والإرهابية في أراضيها، خاصة فيما يتعلق بكشمير، الهند تتهم باكستان بدعم الجماعات المسلحة في كشمير، بينما تتهم باكستان الهند بدعم الانفصاليين في بلوشستان، وهكذا تكرر قطع العلاقات وإغلاق الحدود بينهما عبر عقود..!

فنزويلا أيضاً اتهمت كولومبيا بإيواء ودعم معارضين مسلحين ضد نظام نيكولاس مادورو، بينما اتهمت كولومبيا كاراكاس بدعم جماعات مسلحة وقد تسبب ذلك بقطع العلاقات عدة مرات، وحدوث اشتباكات حدودية..!

وقد قطعت كوريا الشمالية العلاقات مع كوريا الجنوبية عدة مرات بسبب اتهامها للجنوب بالتجسس أو التحريض على التمرد الداخلي، كما حدث بعد غرق سفينة كورية جنوبية اتُهمت بيونغ يانغ بتفجيرها..!

المبدأ هنا واضح، عندما تشعر دولة بأن دولة أخرى تتدخل في شؤونها الداخلية عبر دعم التمرد، فإنها تلجأ إلى المعاملة بالمثل عبر العقوبات، الطرد الدبلوماسي، قطع العلاقات، أو حتى الرد العسكري المباشر..!

هكذا تسير الأمور في كل أنحاء العالم، وهكذا تحكم وتدار العلاقات بين الدول، وحكومات بعض الدول التي تدعم المليشيا في هذه الحرب معلومة للقاضي والداني، فما هو الغريب في تصريحات الفريق ياسر العطا، وما هو المطلوب من حكومة السودان!.

munaabuzaid2@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *