المقالات

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب: الفصل الثالث والأخير..!

“في حياة كل إنسان لحظة لا تعود الحياة بعدها كما كانت أبداً” .. د.أحمد خالد توفيق..!

“الماستر سين” مصطلح سينمائي يستخدم للإشارة إلى المشهد المحوري الذي يمثل ذروة الأحداث في الفيلم، وهو يوازي “المشهد الذروي” الذي تصل فيه الحبكة إلى ذروتها في المسرح “أن يصل البطل إلى قرار حاسم أو أن تحدث مواجهة كبرى تحسم مسار الأحداث”..!

في أفلام كثيرة مثل” معركة موسكو” و”سقوط برلين” و”تحرير باريس”، ومسرحيات أكثر مثل “ماكبث” و”حرب طروادة لن تقع” و”الفرسان الثلاثة”، تشترك مشاهد الذروة في كونها تمثل استعادة النظام بعد مرحلة من الفوضى، فلا يكون الانتصار مجرد نجاح عسكري بل تأكيد لأن الدولة لم ولن تسقط ..!

تحرير الجيش للقصر الجمهوري من قبضة المليشيا كان هو المشهد الذروي في آخر فصول هذه الحرب، وقد تنفس السودانيون بعده الصعداء لأنهم باتوا يدركون كيف أن النهاية قريبة، وكم أن التاريخ يوشك أن يطوي أقذر صفحاته في بلادهم ..!

لكن تحرير القصر على الرغم من رمزيته التكتيكية العظيمة ليس سوى بداية استراتيجية، فالتحدي الأكبر لا يكمن في حسم المعركة فحسب بل في ضمان عدم تكرارها، وفي إدراك جميع السودانيين أن بلادهم بعد انتهاء هذه الحرب لن تكون كما كان قبلها أبداً..!

المعركة الكبرى لم تكن يوماً بين الفرقاء المسلحين فحسب، بل كانت صراعاً بين مشروعين على بقاء بين وجودين ..!

الجيش والقوات النظامية وعموم المستنفرين خاضوا حرب وجود حملوا معهم خلالها إرادة البقاء لشعب بأكمله في مواجهة أطماع جهوية ودسائس حزبية ومكائد سياسية ومؤامرات دولية. شعب أنهكته الحرب لكنه لم ينكسر لأن خياره الوحيد هو أن ينتصر أو ينتصر..!

القوات المسلحة لم تدخل القصر الجمهوري لتكسب معركة فقط بل لتعيد ضبط ميزان القوة والعدالة والسيادة والمواطنة، ولتهديء من روع مجتمع لم يفقد بوصلته الوطنية على الرغم من البيوت التي احترقت والأسر التي شُردت والأرواح التي أزهقت..!

الشعوب العظيمة تخرج من المحن أكثر وعيًا، وهذه الحرب رغم سوءاتها وشرورها المستطيرة ليست نهايةً أبداً، بل هي جسر عبور نحو بناء دولة لا تحكمها موازيين الأسلحة بل قوة الإرادة الوطنية..!

الشعب الذي دفع الثمن الأكبر من القهر والصبر لن يقبل بأن يكون متفرجاً في المستقبل، والنصر العسكري هو الخطوة الأولى في طريق طويل نحو بناء سودان المستقبل الذي يليق بتضحيات أهله وصبرهم الطويل..!

المشهد الأخير لم يُكتب بعد، لكنه لن يكون مجرد إعادة لتراجيديا قديمة، فلا سودان اليوم هو سودان الأمس، ولا شعبه اليوم هو ذلك الشعب المراقب لتقلبات الساسة وانقلابات الحكام بانتظار عودة جودو..!

في مسرحية “البؤساء” لا ينتهي الصراع بتحرير المتاريس بل يبدأ الفصل الأهم في تحديد من سيرث المدينة المحترقة، وفي مسرحية “يوليوس قيصر” لا تكمن العقدة في مقتل الطاغية بل فيما سيحدث بعد سقوطه ..!

تحرير القصر الجمهوري ليس مجرد استعادة لرمزية مبنى، بل هو إعلان عن اقتراب دخول السودان مرحلته الانتقالية المصيرية التي تسبق المرحلة الأبقى “إعادة كتابة قواعد اللعبة وتحديد مستقبل البلاد بعيداً عن منطق السلاح”!.

munaabuzaid2@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *