تقرير

قصص مروعة .. معتقلات مليشيا الدعم السريع .. سجون الموت البطئ

تقرير : الرسالة عبدالرحيم

سجان يتعاطى كل أنواع المخدرات و المسكرات ثم ينطلق نحو معتقليه مسرعا ليتلذذ بضربهم وإذلالهم، يمزق أجسادهم بسياطه، يسمعهم شتائم قذرة تصم لها الآذان، إلى جانب الجوع والعطش طوال النهار ووجبة إفطار واحدة لا تسد الرمق، ثم يرغمهم على آداء الصلاة بلا وضوء رغم أن الطهارة من أهم شروط صحتها، هكذا كان نصيب كوجاك وزملائه في سجون مليشيا الدعم السريع المحلولة، تمنوا الموت مئات المرات ولكنهم لم يحصلوا عليه لأنه أهون عليهم من تحمل ذلك العذاب وقد أراد لهم السجان موتة بطيئة ففاق الألم كل توقعاتهم.

خرج (م. ع) بصحبة كوجاك وبعض الأصدقاء من زملاء المدرسة يضربون الأرض بحثا عن لقمة العيش فقد طال أمد الحرب وغلقت المدارس أبوابها وأصبح السوق كاسدا لا يلبي احتياجات أسرهم فخططوا جميعا للخروج من قريتهم بشمال كردفان متوجهين إلى شريان الشمال ممنيين أنفسهم بفرص أفضل.
التقت سوداناو باثنين من هؤلاء المسافرين (كوجاك وم. ع) طالبان في عمر ال(19) عاما كان من المفترض أن يمتحنا الشهادة السودانية ويلتحقا بأحد الجامعات المرموقة لولا هذه الحرب اللعينة، وقد فضلا عدم ذكر أسمائهما خوفا على أسرهم.
قال (م.ع) في حديث انفردت به المجلة: لقد واجهت الموت عدة مرات ولم أعد أخافه فقد طلبت منهم قتلي بالفعل أثناء التعذيب، لكني الآن أخاف على أسرتي ولا أقبل أن يصيبهم مكروه بسببي.

كانت والدة كوجاك قلقة وغير مقتنعة بسفره ولكنه صمم على اتخاذ هذا القرار فلا بد من مساعدة نفسه وأسرته لذلك ودعها وخرج في الصباح الباكر لاحقا برفاقه.

يقول كوجاك: العربة التي أقلتنا تحمل قرابة الثمانين مسافرا بما فيهم السائق ومساعده، بيننا معاقين ومرضى وكبار سن ومراهقين جمعنا هدف واحد وهو السفر من أجل العلاج و تحسين المعيشة.

أضاف كوجاك :(خرجنا من أم صميمة عند السادسة صباحا وبعد وصولنا قرية الاندرابة وهي منطقة خلوية تبعد عن طريق رهيد النوبة حوالي ٤٠ كيلو مترا بات الطريق غير سالك والشمس تميل إلى المغيب عندما ظهرت سيارتان تتبعان لمليشيا الدعم السريع المحلولة، اعتقدنا بأن هذا الأمر روتينيا فقد سمعنا الكثير من القصص عن ارتكازاتهم تلك، ظننا بأنهم أوقفوا السيارة بغرض التفتيش، أخرجنا أوراقنا الثبوتية للفحص ولكنهم لم يكترثوا بها، وإنما بدأوا بشتمنا ونهبنا وسلب ممتلكاتنا وعندما تحدث السائق معترضا أبرحوه ضربا وصعد اثنان منهم أعلى السيارة فوجدوا بيننا كفيف ومقعد، أمسك الجنجويدي بالرجل المقعد ورماه من فوق العربة على الأرض، وبعد رؤية صاحبنا الكفيف ألصقوا بنا تهمة الاستنفار مع الجيش وأخبرونا بأنهم سيطلقون سراحنا إن اعترفنا بأننا مستنفرين).
قال م.ع : كيف لنا أن نعترف بشيء لم يحدث البتة !! نحن لا نكذب، أخبرناهم بأننا مواطنون مسافرون وهذه أوراقنا ولكنهم لم يريدوا تصديقنا فامرونا باصطحابهم نحو المجهول.

يقول (م.ع) في اليوم الثاني تم نقلنا إلى أمدرمان في معتقل “الصالحة” وجدنا في ذلك المعتقل آثارا لأشخاص تم ذبحهم بالكامل، قضينا فيه أسبوعا نواجه شتى أنواع التعذيب والأشغال الشاقة، أرغمونا على العمل معهم ونقل العتاد والأسلحة إلى داخل مخازنهم، وكانوا يعصبون أعيننا لكي لا نعرف تفاصيل الأمكنة.
ثم تم نقلنا إلى دار السلام ١٧ في معتقل يبدو كأنه منزل من طابقين لأحد المواطنين، هنالك وجدنا نساء معتقلات لديهم (قرابة الإثنا عشرة إمرأة شابة وطفل) وبعد مرور يوم في ذلك المعتقل بعد أن تم التحري معنا في منتصف الليل سمعنا عويل هؤلاء النسوة يبكين ويصرخن ولا يمكن ذكر نوع العذاب الذي تعرضن له)
هكذا ذكر كوجاك متأثرا ……… تم حبسنا في ذلك المعتقل ٧ ايام ثم نقلنا إلى سجن سوبا في الخرطوم وهكذا ساءت حالة المعتقلين.

وفقًا لتقرير صادر عن “محامي الطوارئ”، تم تحديد 44 مركز اعتقال تابعة لمليشيا الدعم السريع المحلولة في الخرطوم، من بين هذه المراكز، يُعتبر سجن سوبا من أبرز مواقع الاحتجاز، حيث يُحتجز فيه آلاف المدنيين والعسكريين في ظروف إنسانية صعبة. تُشير التقارير إلى أن عدد المحتجزين في سجن سوبا قد يصل إلى 6,000 معتقل، معظمهم من المدنيين، وبعضهم من الأجانب.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مراكز اعتقال أخرى مثل بدروم جامعة السودان المفتوحة في حي الرياض بالخرطوم، حيث يُحتجز حوالي 700 إلى 800 شخص.

تُشير هذه التقارير إلى أن العدد الإجمالي للمعتقلين في مراكز احتجاز قوات الدعم السريع قد يتجاوز 6,000 شخص، مع احتمال وجود أعداد أكبر في مواقع أخرى لم يتم تحديدها بدقة. تُعاني هذه المراكز من ظروف احتجاز سيئة، بما في ذلك الاكتظاظ ونقص الخدمات الأساسية، مما أدى إلى وفاة بعض المحتجزين بسبب التعذيب أو نقص الرعاية الصحية.
تُثير هذه الأوضاع قلقًا بالغًا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، وتدعو المنظمات الحقوقية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المعتقلين وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية.
ذكر م.ع. بأنهم صاموا شهر رمضان 2024 في سجن سوبا وكان يرى العربات التابعة للمنظمات تمد المعتقل بالأدوية والطعام إلى جانب خدمات الرعاية الصحية ولكن لم يكن يصل المعتقلين أيا من تلك الأشياء التي يستولي عليها عساكر المليشيا المحلولة ويوزعونها بينهم، وربما يمر على المعتقلين يومين كاملين بدون ماء أو طعام وإن أفطروا وزع عليهم جنود المليشيا لقمة من الأرز بالعطرون أو العدس غير المملح كلا في يده وكأنها حفنة للطير، إلى جانب استخدام المعتقلين هناك في عمليات نهب بيوت المواطنين و “شفشفتها” رغما عنهم.

بعد ثلاثة أشهر من الإختفاء تأكد أهالي المعتقلين من وجود أبنائهم في سجن سوبا بعد كثير من البحث والمعاناة فتوسطوا إلى قيادات الدعم السريع من أهالي المنطقة لإخراج هؤلاء الشباب ولكنهم لم يوافقوا على إخراجهم إلا بعد دفع الفدية.

ختم كوجاك حديثه لسوداناو قائلا: لقد أثرت هذه التجربة على شخصيتي، كنت عصبيا، قليل الصبر عديم التحمل ولكن بعد خروجي من المعتقل أصبحت أرى الحياة من زاوية مختلفة، أصبحت شخصا ناضجا، وازدت إيمانا وصرت موقنا بأنه لن يصيبني إلا ما كتبه الله لي.

أما (م.ن) فأضاف قائلا: لقد علمتني تجربتي في معتقل سوبا معنى الأمل فلم نكن نتصور أننا سنخرج يوما ما، كل من رأيتهم هناك كانوا أجسادا خالية من الأرواح، استسلموا جميعهم للموت وصاروا يترقبون خروج الروح في كل لحظة.

وكما نجحت جهود الإدارات الأهلية بشمال كردفان في إخراج هؤلاء الشباب كان للجيش السوداني دور كبير في تحرير بعض المعتقلين من قبضة مليشيا الدعم السريع المحلولة، ففي أبريل 2023، استطاع الجيش السوداني تحرير ضابطين رفيعي المستوى، اللواء الصادق سيد والعميد عثمان عوض الله، بعد احتجازهما لمدة أربع سنوات من قبل قوات الدعم السريع.
وفي يناير 2025، تمكن الجيش من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وحرر عشرات المدنيين الذين كانوا محتجزين في ظروف إنسانية سيئة.

هذه العمليات تظهر قدرة الجيش السوداني على تحرير المعتقلين من قبضة قوات الدعم السريع، خاصة مع التقدم الميداني الذي يحرزه الجيش في مناطق مختلفة من البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *