منى أبوزيد
“كتب إسحق بن بهلول كتاباً أسماه الاختلاف فنصحه الإمام أحمد بن حنبل بأن يسميه كتاب السعة”..!
الكتابة الخاصة عن القضايا العامة في المنابر الإعلامية شأن، والتوثيق للأحداث أو الاستقصاء عنها أو نقل أخبار الكوارث الإنسانية – واستعراض فصولها والتعقيب عليها شأن آخر، وإن بقي كلاهما من صور الحضور الإعلامي التي يكمل بعضها الآخر..!
الالتزام بتغطية الخبر “التريند” في النقل والتحرير ضرورة مهنية، واختيار ما يمكن الكتابة عنه من وجهة نظر الكاتب خيار مهني أيضاً. وهنا يكمن الفرق بين قيود موضوع الخبر العاجل وسعة مضمون التعليق الحر..!
لذا أرجو أن يعذرني بعض القراء الكرام على بعض اختياراتي بشأن ما يجب أو ما لا يجب أن تكون له الأولوية في التناول ضمن هذه المساحة من القضايا ذات الصلة بحاضر الوطن في ظل هذه الحرب ومستقبله بعد إخمادها أو زوالها..!
سجلات دور الوثائق في كل أنحاء العالم تشهد على أن الكثير من زبد الكتابة الهتافية في أزمنة الكوارث والحروب يذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس من اجتهادات كتابة الرأي التي لا تكمن قيمتها في سدادها بقدر ما تكمن في أهمية دعوتها إلى التفكير الحر والتداول المثمر المثاقفة البناءة..!
وعليه فإنني أعتقد أنه من المهم الوقوف عند خبر استئناف مجمع الفقه الإسلامي لأعماله بمنطقة أم درمان بعد توقفها بسبب الحرب، وبعد الدمار الذي ألحقته المليشيا بكل مبانيه ومقتنياته ووثائقه، في استهداف منظم لمرجعية الفتوى في البلاد..!
أعتقد أن المواكبة في إصدار الفتاوى المتعلقة بمعاش الناس والكوارث التي تحيط بهم في ظل استمرار هذه الحرب – من جهة – والتأسيس لمرحلة الفتاوى الخاصة بطبيعة الحياة في السودان بعدها – من جهة أخرى – يقتضي أن نتوافق جميعاً “الفقهاء وعامة الناس” على أننا ما نزال في حاجة إلى الحديث عن دور الإقناع – في صيغة نص الفتاوى الشرعية – كضرورة تتحقق بالإبانة المتمثلة في تفنيد الأدلة وتسبيب الأحكام..!
الإبانة على نحو قاطع يطاول منطق المجادلين ويراعي أكثر أفراد القافلة بطئاً – أعني قافلة الفهم – حتى لا يقع المواطن السوداني المسلم – المكلف بالامتثال اتباعاً واجتناباً – في لجة الحيرة من فتاوى شرعية تصدر عن كيان موقر يحترم أحكامه، بل ويمتثل لها دون قيد أو شرط، وإن بقي في نفسه بعض السؤال..!
في مرحلة سودان ما بعد الحرب أعتقد أننا بحاجة إلى فتح طريق الاجتهاد – على الأقل – في فهم بعض نصوص السلف. هنالك فقهاء يفعلون – اليوم – ذلك في صحن دار الحنبلية، بدعوتهم إلى إعادة النظر في أمر بعض المسلمات الدينية التي ظللنا نتوارث ترديدها بلا تفكير ..!
إلى درجة إعلان الحكومة السعودية عن أنها ملزمة فقط بتطبيق نصوص القرآن الكريم ونصوص الأحاديث المتواترة، وأنها تنظر لحديث الأحاد حسب صحته وظروفه ووضعه، وأنها لا تنظر في الحديث الخبر بتاتًا إلا إذا استند عليه رأي فيه مصلحة، وأنه لا عقوبة عندها على شأن ديني إلا بنص قرآني واضح أو حديث تنطبق عليه الشروط ..!
منذ اندلاع الثورة في السودان وحتى اشتعال هذه الحرب كثر الذين يفتون في شئون دينية بعلم وبغير علم، وظل التطرف “على النقيضين” هو السمة الغالبة على معظم الآراء..!
فهل يحتاج الخطاب الفقهي أثناء وبعد الحرب إلى “تحرير” بالحذف والإضافة، وإلى تغيير في مواضع التخصيص والتعميم؟. وماذا عن مواقف بعض الفقهاء بعد رحيل حكومة الإنقاذ واندلاع ثورة ديسمبر وقيام حرب أبريل وانحسار سلطة ونفوذ بعضهم الآخر؟. هل يا ترى من مجتهد!.
munaabuzaid2@gmail.com