المقالات

للحقيقة وجه أخر خديجة الرحيمة تكتب: “نجاة ورحلة بحث عن الحياة

                                     (1)
غادرت  البلاد بعد ان مكثت في الخرطوم 136 يوما شاهدت فيها الاوضاع وتطوراتها ورغم التعقيدات والتهديدات التي تواجهنا كصحفيين الا أننا بذلنا جهودا مقدرة في إيصال الحقائق المتعلقة بالمجالات الإنسانية والاجتماعية التي يمر بها المواطن الذي ما زال في العاصمة كما نقلنا عبر الصحف والمواقع المختلفة واقعا مريرا يعيشه الذين ظلوا في الخرطوم على كافة المستويات وطيلة هذه الفترة ظللنا نشاهد ما تقوم به المليشيا ومن يساندوها من نهب وسلب وانتهاك لحقوق المواطنين كما شاهدنا صمود شرفاء الجيش ووقفنا إلى جانبهم ولن نتوانى ابداََ عن دعم الجيش السوداني الذي يقوم بواجبه لتحرير الخرطوم من التمرد وسنظل مساندين له حتى ساعة النصر 
وهناك من يعتقدون بأن المواطنين الذين لا زالوا في الخرطوم يناصرون الدعم السريع واقول لهم أن هذا الاعتقاد خاطئ ولكل شخص ظروفه الخاصة التي منعته من مغادرة الخرطوم فهناك من لا يملك قوت يومه ولا يستطيع إيجار غرفة في اي ولاية من الولايات خاصة بعد إرتفاع تكلفة الإيجارات ووصولها الى هذا الكم المهول وهناك من يريد حماية منزله من النهب ونجد أسر اخرى بها إنشقاق هناك من يريد النزوح ولكن لا يدري إلى أين يذهب والجزء الاخر حدد وجهته ولكن ظروفه حالت دون ذلك ورغم اختلاف الأسباب الا أن هناك بعض الأسر موجودة بالفعل لمساندة المليشيا ويعملون على طهي الطعام لها اما هناك آخرون فمهمتهم تجميع الغنائم بحسب قولهم وهم بالفعل يقومون بنهب أثاثات المنازل وبيعها بأقل الأسعار في أسواق “دقلو”
نعم المليشيا قامت بجميع انواع الانتهاكات والنهب ولكن ما قام به المواطنين من نهب شيء لا يوصف فوالله عندما تجولت في عدد من الأسواق بالخرطوم رأيت العجب العجائب أثاثات أواني منزلية أحذية ملابس كلها لمواطنين فروا من الحرب ويقوم مواطنين ضعفاء النفوس ببيعها في الأسواق بأقل تكلفة أمر مريب للغاية هذه الحرب ان لم تغيرنا للأفضل فإننا لن تغير ابدا
بعض أفراد المليشيا يقومون بالنهب بالتعاون مع المواطنين ويوفرون لهم الحماية داخل الأسواق وعندما يتم بيع ما تم نهبه يتقاسمون قيمة ذلك بالتساوي والله على ما أقول شهيد
أصبحنا لا نخشى السرقة من المليشيا ولكننا نخشاها من ضعفاء النفوس المواطنين بالأحياء الذين أصبحوا يكتسبون لقمة عيشهم من عرق إخوانهم ولو تحدثت من اليوم وحتى العام المقبل لن يخلص الحديث عما شاهدته خلال الأربعة أشهر الماضية
                                         (2)
يؤسفني جدا أن أغادر الخرطوم واترك ما تبقى من عائلتي وجيراني هناك بعد أن عشنا معاناة الحرب النفسية والجسدية المعنوية لأكثر من أربعة أشهر ونحن نقاوم أبسط مقومات الحياة “الأمن والإستقرار” ولكنني خرجت مجبرة بعد إلحاح وإصرار من والدتي نسبة لتعرضي لتهديد أكثر من مرة ونجاتي من محاولة إختطاف خرجت بحمد الله ولكنني حزينة جدا على ما يحدث في الخرطوم
وقبل خروجي من البيت كانت والدتي تقول لي بالحرف (بطاقاتك ما تخلي الدعامة يشوفوها ما تقولي انك صحفية دسي جواز سفرك تلفوناتك ما تطلعيها دسيها في وسط الملابس لو سألوك ما تتكلمي) نظرة الخوف في عيناها كادت أن تقتلني عملت بوصيتها وتحركت صوب مدني ومنذ خروجي من شرق النيل وجدنا إرتكازين فقط للدعم السريع أحدهم بعد جسر سوبا في الاتجاه الشرقي والاخر في السمرة وبعد إيقاف المركبة تم إنزال جميع الشباب ولم يسألوا النساء اطلاقاََ فحينما كانوا يحققون معهم صعد لنا أحد الأفراد في المركبة وقال لنا (معردين مدني صاح ما قلتو جيش واحد شعب واحد لشنو تعردو تخلو جيشكو والله 72 ساعة ونحنا بنلحق الفلول في مدني) وأثناء حديثه صعد زميله وقال له (يا زول خليهم اي زول معرد خلي) وبعدها تحركنا وجدنا أول إرتكاز للجيش في ود راوة وايضا قاموا بتفتيش الشباب فقط اما عند وصولنا لإرتكاز الهلالية قاموا بإيقاف المركبة وجاء أجد أفراد الجيش بالشباك وقال لي انزلي تحت قلت له انا قال نعم تعجبت من حديثه لأنه لم يسأل اي إمرأة غيري نزلت بكل ثقة وكنت اقول في داخلي (والله العظيم لو كان ده دعامي قال لي انزلي كان مت من الخوف) لم اخاف إطلاقا و”قام بسؤالي جاين من وين فأخبرته فقال لي انتوا قاعدين مع الدعامة صاح قلت له لا ولكن الدعامة هم القاعدين معانا قال لي كمان بتردي وبتعرفي تتكلمي فسألني مرة أخرى قبيلتك شنو قلت له بكل فخر مسيرية قال لي انتي دعامية اقيفي لي بهناك فقلت له بما انكم اصبحتم تصنفون الأشخاص على حسب قبائلهم ومناطق سكنهم فأنا دعامية حينها طلب من زميله تفتيش حقائبي وبالفعل قام بذلك وقال لي مرة أخرى انتي بتشبهي لي وحدة بتهرب دهب دولار هسي انتي ما شايلة دولار معاك ضحكت له لكل سخرية وقلت له من الله خلقني ما بعرف الدولار شكلو كيف وهل مكتوب في جبهتي اني بهرب دولار” في الاثناء جاء زميله الاخر وطلب منه أن يتركني وشأني انا لم اتضايق من عملية التفتيش كوني الوحيدة التي تم تفتيشها بالعكس كنت سعيدة جدا بأن جيشنا يعمل بجدية لتأمين مداخل ومخارج الولايات ولكن ما أشعرني بالإهانة هو تصنيفي على حسب قبيلتي وهذا الأمر مرفوض لدي تماما واقول لكل من يفعل ذلك بأنه “ليس كل مسيري دعامي”
بعدها تحركنا ووجدنا إرتكاز في مدينة رفاعة وتم إنزال جميع الركاب وتفتيش حقائبهم وعندما أتوا لحقيبتي قال احد الأفراد “الشنطة دي تقيلة كده فيها شنو قلت له سبائك ذهب” حينها قاموا بتفتيشها وعندما وجد بطاقتي داخلها قال لي نحنا اسفين ومدام انتي صحفية ليه ما كلمتينا من اول عشان ما نفتشك قلت له ليس لدي فرق من الذين تم تفتيشهم فقال لي الناس مقامات ونحنا عندنا ليكم مكانة خاصة واحترام وبكرر إعتذاري” كانوا راقين في التعامل وفقهم الله
وصلنا مدني بسلام واتجهت بعدها إلى مدينة بورتسودان حيث وجدنا ارتكاز في مدينة هيا وكان التعامل عاديا للغاية وبعدها وصلنا سنكات وكانت بها امطار غزيرة فصعد لنا احد الافراد وطلب منا إبراز هويتنا وقال” المطرة شغالة وما عايزين ننزلكم بس ادونا إبراز شخصية” وبعد انتهائه من مهمته اعتذر لنا جميعا وقال “معليش نحنا بنتشدد في الحاجة دي عشانكم وعشان نحميكم لانو انتو همنا الوحيد وقبل كم يوم قبضنا تلاتة قناصات داخلات بورتسودان وانتوا عارفين الدعامة حالفين يخشوها فاعفوا مننا” مررنا بالارتكازات الأخيرة دون أي تشدد الحمد لله
على الرغم من ان الكثيرين أكدوا لي صعوبة المرور بإرتكازات الشرق وتشددهم وتصنيفاتهم القبلية للمسافرين الا أنني وجدت العكس قمة الذوق والاحترام والتعامل فشكراََ جميلاََ لإرتكازات شرق السودان بصورة عامة وسنكات على وجه الخصوص
نصر الله القوات المسلحة نصرا مؤزرا عاجلاً غير آجل يارب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!