المقالات

قصة وجع…… ودعناك الله يا نقية…. الى الراحلة المقيمة/ سلافة مصطفى الطريفى دونها/مزمل صديق

ما اقسي ان تكتب و الأيام لم تعد هى ذاتها لذات شخص تملك كافة صفات الجمال والروعة وحسن المعشر ودماثة الخلق فضلا عن ذلك رجاحة العقل مع تحمل المسؤولية منذ بواكير خطوات حياته التى شهد لها الجميع به حتى صار منهجا وانموذجا فى التفانى ونكران الذات ، كأنه أجمل هدايا العمر ليصبح فى رمشة عين من أكبر فواجع الزمان الشين الذى يستمتع بعذابات الآخرين ، أكتب عن شخص واحرف لغة الضاد تتوارى خجلا ليقينها انها لا تستطيع ترجمة ما يعترينى كغيرى من حزن لفراق شخصية تفردت بكافة معانى السماحة والوضاءة، سلافة مصطفى الطريفى حسين (سماح) ، هكذا كانت حياتها تسودها المودة والاحترام ونبل الاخلاق، إختصها الخالق دونا عن غيرها باروع ما يكون من دماثة الخلق وحسن السيرة والسريرة، متواضعة .. مؤدبة… محتشمة… متمسكة ومسؤولة من طراز فريد ومحافظة لأعلى درجة من الاتقان بدينها ، يقينى ان ما اعرفه عن الراحلة المقيمة (سماح) من انواع الخير الذى كانت تقدمه للمحتاجين لا يعرفه بعد المولى سبحانه سوى شخصى الضعيف ، فاساله تعالى أن يكون لها شفيعا ومدخرا وان يكون طريق للنجاة وعبور الصراط المستقيم ، الكل يناديها باسمها المعروف لغة (سلافة) باستثناء اسرتها والمقربين منها الذين يطلقون (سلاف) ، كأنها كانت على موعد مع القدر وكانها كانت تدرك دنو اجلها ورحيلها عن الفانية ، والشاهد على ذلك خطواتها بين العامة قبل الخاصة ، (حتى منشوراتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تنتقيها بعناية فائقة وكلها عبر وعظات كيف لا و عبارات الحمد والشكر لله تظل حاضرة ) ، رحلت (سماح) جسدا ولكن روحها الطاهرة النقية ستظل ترفرف بين الجميع ، تميزت الراحلة حتى فى عملها بالجدية واحترام الاخر لذلك كانت سلافة (خلاصة الشيء) فى كل تفاصيل الحياة.
بداية النهايات:
والأمة الاسلامية مع خواتيم مناسك حج بيت الله تعالى تحديدا فى ثانى ايام عيد الأضحى المبارك وبينما تمت دعوتها فى المنزل من قبل شقيقتنا الانسانة (امل) لتناول وجبة الافطار رفقة الوالدة العطوفة فاطمة والأخت تسنيم وبنات اختى أمل(يمنى وأريج وتقى) وبعد رحلة نقاش شيقة ستظل راسخة فى ذاكرة اسرتها(الصغيرة) مع المقرب من الراحلة ابن شقيقتنا (مبر) ، وفى خضم تلك التفاصيل ضربت سلاف موعدا مع رحلتها الأبدية وبلا مقدمات اصيبت بحالة دوار وبعدها ارتمت على الأرض فى حالة جعلت الموقع يضج بتراجيديا الشجن الأليم منذ لحظتها، تم حملها الى مستشفى الشرطة بودمدنى وبعد اجراء الفحوصات اللازمة كانت النتيجة ان الراحلة المقيمة اصيبت بملاريا (فى الراس) ويا ويح قلبى من معاناة بلادى مع التشخيص الذى ظل المشكلة الابرز فى ازهاق الارواح، من ثم العودة بها إلى المنزل بعد ان دونت لها ستة دربات(كينين) ، وعند منتصف الدرب الاول ازداد الامر سوءا وظلت الابنة يمنى فى حالة حل وترحال ما بين الصالون حيث كنا شخصي ووالدها حسن ومتابعة الأبناء محمد ومبر ، وما بين الصالون والمنزل حكاية ألم لا تدونها الكلمات و (ليت الاحساس يكتب ) ، اصيب الجميع بحالة من التوهان وهم يشاهدون على مسرح جسد الراحلة تراجيديا تحكى عن نفسها ، وظلت اسرتها الصغيرة وشقيقها الاكبر وصديقها الابرز فى ذات الوقت ( حسن) وبقية الاسرة فى حالة بحث مضنى عن بارقة امل فى احدى المستشفيات الى ان استقر بهم المقام فيما يسمى بالمستشفى السودانى البريطانى (لا ادرى من أطلق الاسم) وما اسوأ المبانى حينما تنقص بداخلها المعانى ، وهناك تم تشخيص الحالة بوجود جلطة ما بين العنق والقلب وهنا فى قلوب محبيها واصدقاءها كانت جلطة العمر استحكمت فى جغرافيا تفاصيلهم جسدا وروحا ويالقساوة الاقدار حينما تحيل عبث الحياة لكتلة من الالم ، ولا انسي شقف صديقة الراحلة فى العمل الاخت ناهد عبدالرحمن التى ظلت ملازمة بالمنزل لوقت متأخر من ذات اليوم الخميس .
رحلة البحث عن ICU:
يقال : أصعب الألم أن ترسم الضحكة على شفاهِك وداخلكَ ينتحب, أن تجامل من حولك بالفرح والحزن يبني حضارةً في صدرك , أصعب الألم .. أن تثق بالحُب في زمن الغدر وتثق بالحياة في زمن الشقاء وتثق بالصوت في زمن الصمت والجريمة … كل التفاصيل كانت حاضرة والأرض لحظتها تغطت بالتعب ومعاناة الراحلة تؤرق مضاجع من حولها ، ظل البحث مضنيا فى اليوم قبل الأخير من حياة الراحلة ، يوم الاثنين والكل يبحث عن بارقة امل فى ايجاد سرير (بوحدة العناية المكثفة) وما بين مركز ودمدنى لأمراض وجراحة القلب ووزارة الصحة كان الجميع يهرول عسي ولعل يجدون (متنفسا) للراحلة ولكن تظل فراغات القصور بالقطاع الصحى العلامة الابرز فى بلادى ، وفى تلكم اللحظات كان النقاش بينى والأخ حسن والابن محمد بعد ان افتقدنا الامل من خلال القصور الواضح، عقدنا العزم على الذهاب بالراحلة المقيمة لجمهورية مصر العربية لمواصلة رحلة العلاج بدلا عن الكلمات التى ظلت مالوفة من الطبيب المتابع لحالتها بالمستشفى البريطانى دون اى تقدم يذكر(أشير هنا الى انه بالرغم من ان المستشفى يطلق عليه خاص الا ان الطبيب المتابع للحالة لا ياتي الا للحظات وبذات العبارات ( الحالة خطيرة ومحتاجة عناية مكثفة )) ، يتبادر للذهن كيف لمستشفى خاص من مستشفيات (الدعم المقدم) يصعب عليها توفير سرير بالعناية المكثفة ، والى متى يستمر قصور التشخيص المرضى ينهش أجساد المواطنين ويجعلهم فى عداد الموتى ، وندلف هنا للدور السلبى لأحد رسل الانسانية ما يطلق عليه جذافا (طبيب) ان يتأمر ويسخط فى وجه كادر التمريض (مافى زول يشوف ملف المريضة وممنوع عمل اى اجراءات) هذا الحديث بعد تقدم احد زملاء المهنة الخلص الذى تكرم بزيارة الراحلة وطالب بعمل بعض الفحوصات التى أكدت ان هناك نقص واضح فى البوتاسيوم مع ارتفاع فى الرطوبة (لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) ، وقبل تدوين العلاج اللازم كانت هناك شارات الوداع تعلن عن نفسها مساء الثلاثاء ، وقبل لحظات من رحيلها عن الفانية بعد غيبوبة المعاناة المتواصلة محاولات لانعاش (قلب النقية سلاف) ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد ، وتظل عبارات last cycle و pass راسخة ما بقيت الحياة فينا، وكانت لزملاء الراحلة خاصة المقربون منها (عبدالهادى عبدالحفيظ… علاء الدين… وليد… ابراهيم… منى طلب … ماجدة عبدالحميد … ناهد عبدالرحمن … مها عباس… منى دراج … النسيم ) وبقية العقد النضيد بديوان الحسابات مواقف لا تمحوها من الف باء تاء الى ياء معاناة الراحلة وحتى بعد رحيلها المر عن الفانية، والشكر لوزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة الرجل المهذب عاطف أبوشوك وجميع منسوبيه بالوزارة ، ووزارات الولاية الأخرى و هيئة مياه ولاية الجزيرة وعموم الاهل والعشيرة بودمدنى وابوحراز وقرية المتصلة محلية القرشى وعموم من تكبد المشاق لاداء واجب العزاء.
نحيب وعويل وصراخ، ألم وشجن ، ذكريات ومعالم، وغيرها معانى سيطرت على مشهد ذلك اليوم المشؤوم، انطلقت من المستشفى السودانى البريطانى وتواصلت هناك حيث إقامة اسرة الراحلة المقيمة بحى مايو ٤٠ بمدينة التاريخ ودمدنى (المسماة على جد الراحلة المقيمة)…
موكب مهيب:
نحسب عند الله تعالى ان حسن الخاتمة للراحلة كان حاضرا من خلال تفاصيل المشهد وهى قد سبقت رحيلها المر دخولها فى غيبوبة استمرت لخمسة ايام فضلا عن ذلك توافد المصلين على جثمانها الطاهر فى رمشة عين ثم الموكب المهيب بمقابر حبيب الله بجانب السيرة العطرة التى تميزت بها فى حياتها ويشهد لها الجميع بذلك ، اما القبر الذى احتوى جسدها قد تبلل بمياه الامطار التى هطلت قبل رحيلها المر ، واسال الله العلى القدير أن يغسلها بالماء والثلج والبرد وان ينقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم ابدلها دارا خير من دارها واهلا خير من اهلها، اللهم ان كانت محسنة فزد فى احسانها وان كانت مسيئة فتجاوز عن سيآتها واجعل اللهم الفردوس الأعلى متقلبا لها بصحبة رسول الله الذى تعلم حب الراحلة له وصحبه الاخيار، اللهم ان سلافة جآتك وانت الرحمن الرحيم وتعلم ما لا نعلم فبإسمك الاعظم الذى اذا دعيت به أجبت اجعل منزلتها فى عليين وانا لله وانا اليه راجعون…
* الى الراحلة المقيمة فى مرقدها:
وقد أعطتنا الحياة ما اعطت وأخذت منا ما أخذت وستبقى الراحلة المقيمة سلاف فينا ما بقيت الروح…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *