المقالات

“هبة المهندس.. حكاية امرأة سودانية صاغها الحنين والمعافرة”

كتبت الإعلامية هبة المهندس

من الخرطوم إلى الخليج، ومن حلمٍ مُجهَض إلى شغفٍ أُشعِلَ من رماد الأزمات، هذه قصة هبة المهندس، الإعلامية السودانية التي رفضت أن تنكسر، واختارت أن تواصل.

أنا هبة جادالله علي عمر، أو كما يعرفني الناس: هبة المهندس.

وُلدت في 29 أغسطس 1971، بمستشفى الراهبات في الخرطوم غرب، حيث كانت دار الكشافة أمام بيتنا، وسينما الوطنية خلفه — تلك السينما التي صارت ذكرى لمدينة تغيّرت كثيراً.

كبرت كالبنت الكبرى في أسرةٍ صغيرة، جمعتنا المحبة وفرقنا القدر. إخوتي: مي، هديل، خالد (الذي فقدناه مبكراً)، وشهد، أصغرنا. انتقلنا في طفولتنا إلى ليبيا، ثم إلى الكويت، حيث عشتُ أجمل سنواتي الدراسية وسط تنوع ثقافي وإنساني عميق.

أمي كانت ملهمتي. امرأة نشطة وقوية، قادتني لمشاركتها في العمل الخيري حتى في سن صغيرة. لن أنسى مشاركتنا في نداء السودان بعد فيضانات 1988، في حفل الفنان محمد وردي.

ثم انقلبت الحياة..

كنت على وشك السفر لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في روسيا، لكن غزو الكويت عام 1990 أوقف كل شيء. غادرنا بسيارات متهالكة إلى الأردن، في رحلة قاسية، لنعود بعدها إلى الخرطوم التي لم تكن سهلة.

سكنّا جزءاً من بيت العائلة بلا كهرباء أو ماء، وبدأتُ مع أمي مشوار بناء جديد من الصفر. درست في جامعة الأحفاد للبنات علم النفس ورياض الأطفال، وتخرجت عام 1995، لكنني لم أعمل في تخصصي. كنت كاشيراً في محل صيانة، أحاول إعالة أسرتي.

ثم جاءتني كلمة غيّرت مصيري: “قدّمي في التلفزيون، عندك حضور.”
قالتها صديقتي أمل، وفعلت.

اجتزت اختبارات التلفزيون القومي وسط أكثر من 900 متقدم، وتم اختياري ضمن 11 فقط. بدأت بمهمة مذيعة ربط، ثم إلى تقديم البرامج: “من القلب إلى القلب”، و”مشوار المساء” مع الطيب عبد الماجد. وهناك، كان أول ظهور لي على الهواء مباشرة.

تدربت على يد أساتذة كبار: عمر الجزلي، الزبير نايل، حسن فضل المولى، الذي قال لي دومًا: “أنا راهن عليك.”

لاحقًا، سافرت إلى القاهرة وأجريت لقاءات مع أسماء لامعة مثل: يحيى الفخراني، أمينة رزق، محمد وردي. ثم جاءتني فرصة جديدة في قناة عجمان خلال مهرجان دبي للتسوق.

قال لي الأستاذ حسن فضل المولى: “انطلقي!”
فكانت انطلاقتي الثانية.

عملت في صباح الإمارات، ثم في تلفزيون أبوظبي، حيث تزوجت عام 2001، وفي العام التالي أجريت لقاءً مميزًا مع الفنان عبدالله بالخير. عدت إلى السودان أكثر من مرة، وقدمت حفل إطلاق موبيتل كـ”زين”، بمشاركة وردي.

لاحقًا، عملت 9 سنوات في تلفزيون دبي، قبل أن أتنقّل بين عدة مؤسسات إعلامية، وصولاً إلى التحول الكبير: التحوّل إلى الإعلام الرقمي.

في 2023، أطلقت برنامجي الحواري “هبة كاست”. استضفت فيه شخصيات سودانية وعربية بارزة. أحد اللقاءات التي لم تُعرض بعد كان مع الراحل محمد الجزار.

اليوم، أنا رئيسة تحرير البرامج في منصة “عرب كاست” في الإمارات، وأشرف على محتوى يعكس قصص الناس، وقيمهم، وتفاصيلهم.

ثم جاءت المعركة الأصعب: مع سرطان المستقيم – المرحلة الثانية.
لكني اكتشفته مبكرًا، بفضل الله، وأنا أستعد للعملية بشجاعة وأمل.

أنا أم لثلاثة: فيٌْ، محمد، ونوّارة. وهم نوري وسندي.
كما أنتم نوري.. أنتم من دعوتم، ورفعتموني بالدعاء.

أنا هبة المهندس. بنت الخرطوم وبنغازي والكويت. بنت التجربة والضوء، التي ما زالت تكتب حكايتها، بكل ما فيها من أملٍ لا ينكسر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *