في الوجوه الطيبة ود لقّاي وسامة رجل أرهقه حب الناس. في رحيل الأستاذ عمر العوض بقلم / بروف هشام عباس زكريا
لم أجد في حياتي من يمتلك عمق المفردة مثلما يمتلكها الأستاذ عمر العوض الشاعر والمسرحي والأديب المعروف بمدينة (الدامر) العريقة، استوعب كل طقس (الدامر) المبدع في إنسان تكاملت فيه كل أوصاف الثقافة، فكان العالم المتواضع المتطلع للمعرفة والذي يوحي لجالسه أنه لا يعرف إلا القليل، عمر العوض، من الناس الذين تأسر كلماتهم كل من جالسه، ودود حد الود، متدفق المشاعر الطيبة، زاهد حتى الزهد.
رحل في صباح الخميس 24/12/2020 الصديق العزيز الرجل الأنيق عمر محمد احمد العوض ورحلت معه تلكم الزيارات التي كنا نقصدها لمطبعة المأمون بالدامر للتزود من نبع معارفه وحكاياته وقصصه، ولا شك أن (الدامر) اليوم حزينة بهذا الفقد الكبير، وحُق (للدامر) ولولاية نهر النيل أن تحزن، فقد غاب ذلكم المتدثر في سوقها يوزع الود والابتسامة وسمح الكلم.
ولد الشاعر والمسرحي والبرلماني وإمام المسجد عمر محمد أحمد العوض بقرية (وهيب) بالزيداب في العام 1946، وفي نفس العام جاءت أسرته إلى مدينة (الدامر) بمـربع (6) مقــابل محطة السكة حديد.
ثم استقرت الأسرة بحي الـشعديناب غرب جــوار أســرة المادح أحمـد قــدور والد الشاعر والمسرحي السر قدور والدكتور عـمر قدور والصديق محمد أحمد قدور وأسرة مـحمد الأمين ود فــــرح، الذي اشتهر بصناعة جفائر جراب السيوف والسكاكين من الجلود، وأسرة المادح الشهير قسم الله ود عوض.
بعد ذلك حفظ قدراً من القرآن بخلوة الشيخ علي كرار بمربع (6) بالدامر، وخلوة الشـيخ ود البــغيل بالشاعديناب ، ثم ألحق بمدرسة (الدامر) الجنوبية الأولية ثم بمدرسة (الدامر) الأميرية الوسطى، التي امتحن لها من مدرسة الزيداب الأولية.
شهد العام 1964 نقلة كبيرة في حياة أستاذنا عمر العوض حيث التحق بمعهد البريد والبرق وكان المعهد في تلكم الفترة ملاذاً للمبدعين والشعراء، وقد سكن مع أبناء أحمد قدور بحي البوسـتة بأم درمان الأمر الذي أتاح لـه فرصة اللقاء مع العديد من الفنانـين والشعراء ، ومنهم الشاعر مصطفى سند، وقد كان يــدرسهم في معهد البريد والبرق ، والمسرحي اسماعيل خورشيد وعثمان حُميدة ( تور الجــر) والفنان ابراهيم الكاشـف والعاقب محمد الحسن والفنان صلاح مصطفى و محمد حُميدة وغيرهم من الشعراء والفنانين والأدباء .
إن شخصية الأستاذ عمر العوض الإبداعية يمكن النظر إليها من عدة أبواب، فقد دخل للمجتمع من باب الرياضة أولاً حيث لعب في ريعان شبابه بفريق النصر بالشاعديـناب ، ثم انـتقل للـعب بفريق الهدف ( ويحمل الآن اســم نادى الشــمالية بالدامر ) . ثـــم انتقل للعب بفريق نهضة الوطن (بالدامر). إضافة إلى ذلك فقد كان شاعراً متميزاً لكنه برع في الشعر الوطني وغنى له العديد من المغنيين لكن تبقى ثنائيته مع الفنان الموهوب هاشم أحمد عمر هي الأبرز، وما يربطهما ظل دوماً محط إعجابي وإعجاب الكثيرين فبينهما حب عميق واحترام متناهي واعتراف كل واحد بقدرات الآخر، وفي تقديري الخاص تظل أغنية رؤيا التي تعُجب أستاذنا د.عثمان السيد هي عنوان هذه العلاقة وتقول في بعض أبياتها: –
ساعة صفايا رأيت .. فيما يرى النائم
وجه الوطن طربان
كاسيا الطبيعة حنان
والجو صِبِح غائم
يا زورق الأحلام .. فوق الزمن عدِّي
وأسمع غُنا الأطفال
شكل السفر والترحال بثعداً معنوياً كبيراً في أشعار الأستاذ عمر العوض فقد عمل في مكاتب البوستة بالدامر وعطبره وأبوحمد والشريك وكبوشية ومكتب (واو) بجنوب السودان ، حيث كتب قصيدة كبري الجور (1974م) ومنها:
لِقيتك يا قمر مِتْلِي
مسافر من ضفاف الجور
وعابر بي جبال تَقَلِي
مقاصد بيتنا في الدامر
أنا البرعاك من قَبَلِي
يعاينو ليك ورا الغيمات
وتنقُل بينا إحساسات
ونتواصل أنا وأهلي
إضافة إلى ذلك فقد كتب الأستاذ عمر العوض العديد من المسرحيات أشهرها (هجرة شاهين النوبي) وهذه المسرحية الرائعة تجـسد مأساة تهجير أهالي مدينة وادى حلفا بسـبب إنشاء الـسد العالي في مصر ، وكان ذلك فــي عــهد حكومة الفريق إبراهيم عبود، وتم تــهجــير الحلفاويـين، البعض إلى كوم امبــو جنــوب مــصر والبعض إلى خشم القربة بالسودان. ولعله استلهم ذلك من صديقه الحلفاوي الأخ محمد يوسف، الذي كان كثير الوفاء لأستاذنا عمر، بل ظل حلقة الوصل بيننا وبينه.
أيضاً ظل الأستاذ عمر العوض شديد الاحتفاء بالمبدعين وقد تشرفت عدداً من المرات بحضور منتديات ثقافية بمنزله العامر بالدامر، واستطاع تكوين فريق صداقة مبدع ضم هاشم أحمد عمر، وعوض الهجا، ولا شك أنهما الآن في غاية الحزن والألم، وعبر هذا الثنائي خرجت معظم أشعار عمر العوض فناً راقياً إضافة إلى لمسات الفنان الدكتور محمد حميدة، وله ديوان شعر (البلبل والزهرة) ،(والـشارد والطارد) ومسرحيات تحت الطبع، نأمل من وزارة الثقافة والإعلام بولاية نهر النيل الاهتمام بها.
رحل الأستاذ عمر العوض ورحلت معه القصص والحكاوي والأسمار وجميل الكلام، ويظل الود ورفيع الخلق والتواضع والابتسامة والزهد والترفع عن الصغائر هي سمته، ولا شك أن نخيل نهر النيل أعلن الحزن فطالما كان يناجيه:-
في الوجوه الطيبة ود لقّاي وسامة
سُكَّرو اتحول مفاتن .. لوّن الأعيُن غمامة
خرشة في خد الجميلة .. في الضفيرات الطويلة
يبدو في أحلى ابتسامة
همسه من خجل الحبيبة
و بحّة في طاعِم كلامها.
ونحن نكتب هذا المقال لا بد أن نترحم على صديقه القديم المرحوم العوض قسم السيد، فقد كانا من رموز الثقافة بالدامر وولاية نهر النيل وأيضا العزاء لأصدقائه الأستاذ حـــسن أحمد الشيخ والدكتور عثمان السيد والمطرب هاشم أحمد عمر وعوض الهجا وعبدالرحيم محمد الشيخ حنـين، وعوض عثمان إبراهيم (عوض الفريع ) والأستاذ عبد المنعم عقارب، والأستاذ محمد يوسف (شاهين النوبي) والأستاذ محمد أحمد قدور، وغيرهم ممن كانوا يزينون حضور ملتقياته، كما أتقدم بالعزاء لكل قبيلة الثقافة والإعلام بولاية نهر النيل والدامر ولأسرته الصغيرة والكبيرة ولشقيقه صديقنا الأستاذ محمد محمد أحمد العوض (حميدة) ولكل عارفي فضل أستاذنا المرحوم عمر محمد أحمد ِِ.رحم الله المبدع عمر العوض وأسكنه فسيح الجنات، إنا لله وإنا إليه راجعون.