حول قضايا الراهن السوداني .. “عزة برس” تستضيف الخبير الأمني والاستراتيجي المصري اللواء أ.ح أشرف فوزي : التسوية السياسية ممكنة لكنها صعبة هذا ما قاله عن تهديد الصراع للممرات الملاحية على البحر الأحمر (..) هذه توصياتي العملية لمصر (..)..الحرب فى السودان اتخذت بعداً إقليميّاً و«مدخَلاً بالوكالة»….الصراع فى دارفور يهدّد استقرار دول الجوار بـ (…)

حوار _ أمل أبوالقاسم
في ظل التطورات المتسارعة في السودان ودخول الحرب عامها الثالث، تزداد الحاجة إلى قراءة أمنية واستراتيجية عميقة للمشهد، خاصة من منظور الخبراء العسكريين الذين عايشوا ملفات معقدة تمس الأمن القومي العربي والإفريقي.
في هذا الحوار، نستضيف اللواء أركان حرب أشرف فوزي، وكيل جهاز المخابرات المصرية الأسبق، ورئيس الاتحاد المصري الدولي للتوعية الفكرية ومكافحة الإرهاب، لنسأله عن رؤيته لما يجري في السودان، ودلالات المشهد الإقليمي، وسيناريوهات المستقبل
_ كيف تقيّمون، من منظور أمني واستراتيجي، الوضع الحالي في السودان بعد مرور أكثر من عامين ونصف على اندلاع الحرب؟
الوضع يظل متفجِّراً وعنيفاً: القتال بين الجيش و(قوة الدعم السريع) تراوح نقاط الاشتباك بين المدن والبوابات الإستراتيجية، وخلّف نزوحاً داخلياً وخارجياً بالملايين وتدهوراً حادّاً في الخدمات والدولة. هذا يجعل السودان ساحة فوضى طويلة الأمد مع فقدان فعّال للسيطرة المركزية وارتفاع احتمالات تجذّر إرهاب محلي، تجنيد الأطفال، وانهيار مؤسسات الدولة.
_ هل تحوّل النزاع من صراع داخلي إلى حرب بالوكالة؟ ومن المستفيد من إطالة أمدها؟
الواقع عمليّاً خليط: النزاع محلي في مكوناته الأساسية، لكنه اتخذ بعداً إقليميّاً و«مدخَلاً بالوكالة» حيث تدخلت جهات إقليمية ودولية بأدوات دعم لوجستيية، استخباراتية أو مادية لصالح طرف أو آخر—وهذا يطيل الصراع ويزيد تعقيده. المستفيدون من الإطالة: جهات إقليمية تسعى لنفوذ جيواستراتيجى (تحسين مواقع في البحر الأحمر أو خطوط إمداد)، شبكات ربحية (تهريب، تجارة أسلحة)، وبعض فصائل تستفيد اقتصادياً من حالة الفوضى. (تحليلي يستند إلى مؤشرات دعم خارجي متواترة وتقارير ميدانية).
_ ما مدى خطورة الانفلات الأمني في دارفور على الأمن الإقليمي، خاصة مع تقارير عن مرتزقة أجانب ومسيّرات؟
خطر جدّي: دارفور نقطة انتشار أسلحة ومجموعات مسلّحة ومعبر لنفوذ مجموعات خارجية (تقارير تتحدث عن وجود مرتزقة/شبكات تسليح وتوغلات عبر الحدود)، كما أن الانتشار الموسّع للطائرات بدون طيّار (درونز) يرفع سقف العنف ويعقّد الاستجابة الإنسانية ويخلق تهديدات عبر الحدود. هذا يهدّد استقرار دول الجوار عبر موجات لجوء، انتقال أسلحة ومقاتلين، وتهديد ممرّات تجارية إقليمية إذا ما توسع القتال.
_ كيف ترون تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة؟ تقاعس متعمد أم عجز سياسي؟
المجتمع الدولي أدار جهود إنسانية ودبلوماسية لكنها تبقى متقطعة: من جهة يوجد ضغط إغاثي ومبادرات وساطة (تنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية موجود)، ومن جهة أخرى تنقص الوحدة السياسية الدولية والقدرة على فرض عقوبات أو حلول مؤثرة بسبب مصالح متباينة ودور فاعلين إقليميين متداخلين. النتيجة: جهود متبادلة لكن غير كافية لوقف إراقة الدماء أو فرض سلام دائم.
المحور الثاني — الجوار وإجراءات مصر
_ كيف تقرأون تأثير هذه الحرب على الأمن القومي المصري؟
التهديدات مباشرة وغير مباشرة: تحرّكات لاجئين ضخمة على الحدود الشرقية، تهديدات امنية عبر تهريب أسلحة ومقاتلين، مخاطر على اقتصاد البحر الأحمر (تعطّل موانئ أو خطوط شحن)، وضغط سياسى/إنساني على القاهرة لقيادة جهود إقليمية أو إنسانية. لذلك الحرب تقلّص المسافة بين أزمة داخلية وساحة تهديد للاحتياجات القومية المصرية. (تقدير استخباراتي عملي يحتاج مراقبة مستمرة للمنافذ الحدودية والمعلومات الاستخباراتية على خطوط الإمداد).
_ بعض القوى تحاول نقل التوتر من الخرطوم إلى البحر الأحمر وبورتسودان — كيف تتعامل مصر؟
توصياتي العملية لمصر:
تعزيز المراقبة البحرية والجوية على طول سواحل البحر الأحمر ومناطق الممرات الحيوية (رادارات، طائرات استطلاع، تعاون استخباراتي مع حلفاء).
حماية وتأمين المرافق الحيوية (موانئ، مخازن وقود، خطوط نقل).
بناء تحالف إقليمي أمني مع دول ساحل البحر الأحمر (التنسيق العسكري والبحري مع السعودية، الإمارات، جيبوتي، جيش السودان الشرعي إن أمكن).
دعم دبلوماسي لإبقاء الممرات الدولية مفتوحة ورفع كلفة أي تهديد لاستعمالها (عبر روابط مع الأمم المتحدة ومنظمات الموانئ العالمية).
هل قد يهدد الصراع الممرات الملاحية في البحر الأحمر؟ والتداعيات؟
نعم محتمل — خصوصاً إذا توسّع استعمال الدرونز أو هجمات على بورتسودان/مرافق النفط والوقود كما شوهدت. التداعيات: تعطّل سلاسل إمداد عالمية، ارتفاع تكاليف شحن، ضغوط اقتصادية على دول ساحلية (ومن بينها مصر)، وفتح مساحة لعمل قراصنة أو مجموعات مسلحة بحرية. لذلك حماية الممرات خدمة أمنية واقتصادية إقليمية حيوية.
المحور الثالث — البعد الإنساني والفكري
_كيف مواجهة حملات التضليل الإعلامي المصاحبة للحرب؟
خطة متعددة المستويات: مراقبة مبكرة لرصدالحسابات مفبركة؛ حملة مضادة تعتمد على: نشر حقائق موثوقة بسرعة (من خلال شرائح معلومات مختصرة ومرئية)، التعاون مع منصات التواصل لتمييز المعلومات المضللة، تدريب صحفيين محليين على المعايير، ودعم شبكات مجتمع مدني وثقة محلية لنشر رواية مدنية موثوقة. يجب أيضاً إدماج الرسائل النفسية الاستراتيجية التي تضع مصالح المدنيين وتهدّئ الهواجس القبلية والطائفية. (إجراءات عملية قابلة للتنفيذ من خلال مؤسسات توعية واتحادكم).
_ دور التوعية المجتمعية (كالاتِحاد رئيساً للاتحاد المصري الدولي للتوعية الفكرية)
التوعية تقلّل تجذّر العنف عبر: نشر قيم السلم، مناهضة خطاب الكراهية، بناء برامج دعم صحي ونفسي للمهجرين، حملات لمحاربة التجنيد القسري، وبرامج لتمكين صغار القادة المحليين لفضّ النزاعات وقنوات المصالحة التراكمية. يمكن للاتحاد العمل كحلقة وصل بين المجتمع المدني والدولة لتطبيق برامج ثابتة ومستدامة.
_ بوادر انهيار المنظومة الاجتماعية في السودان أم صمود الروابط القبلية والدينية؟
المنظومة تواجه ضغوطاً كبيرة — نزوح واسع، خسائر بشرية وتقسيم موارد — لكن الروابط القبلية والدينية لا تختفي بسرعة؛ قد تتحول إلى مصدرين: إما دعم للتماسك المحلي والمصالحة، أو أداة لتغذية صراعات هوية إذا استُغلّت سياسياً. لذلك النتيجة ليست حتمية: تعتمد على مدى نجاح مبادرات حماية المجتمع المحلي، الإغاثة، وبرامج المصالحة التي تُنفّذ الآن.
المحور الرابع — الحلول والسيناريوهات
_ ملامح الحل الواقعي للأزمة السودانية
حلّ واقعي هو مزيج متعدد المراحل:
وقف إطلاق نار محكم ومراقب إقليمياً (مع آلية عقوبات سريعة لخرقه).
ممرات إنسانية مؤمنة ومدعومة بخطط إعادة إعمار مرحلية.
مفاوضات شاملة مدنية–عسكرية برعاية إقليمية موثوقة (ربما الرباعية الإقليمية) مع ضمانات تنفيذية ومقاييس زمنية.
آليات محاسبة لجرائم الحرب لبناء ثقة وتفكيك مناخ الإفلات من العقاب.
هل التسوية السياسية ممكنة مع هذا الانقسام الحاد؟
ممكنة ولكنها صعبة: تتطلب ضغوط دولية وإقليمية منسقة، حوافز قوية للأطراف (أمنية، اقتصادية) وضمانات تنفيذ. نجاح أي تسوية يحتاج جهة محايدة ذات مصداقية لدى الأطراف (قد تكون تحالفاً إقليمياً مشتركاً) وآليات مراقبة قابلة للتنفيذ. الإطار الزمني سيطول، ولذلك ينبغي العمل على حلول مؤقتة لحماية المدنيين أثناء التفاوض.
دور الأجهزة الإقليمية (الجامعة، الاتحاد الإفريقي)
مهم وحيوي: يمكن للاتحاد الإفريقي والجامعة العربية لعب دور الوسيطين السياسيين وتنسيق المساعدات وإدارة آليات إعادة الإعمار والمصالحة. لكن فعالية هذه الأجهزة مرتبطة بإرادة أعضائها لتوحيد الموقف ورفع قدرة التنفيذ المتفق عليها بالتعاون مع الأمم المتحدة.
الرسالة للسودانيين في الداخل والخارج
رسالتي قصيرة وواضحة:
حماية المدنيين أولوية مطلقة — اوقفوا استهداف الأبرياء وامنحوا الأولوية لممرات الإغاثة.
العمل على بناء قنوات مدنية للمصالحة (قادة مجتمعات محلية، منظمات أهلية) بدلاً من تصعيد العنف.
لا تراهنوا على انتصار عسكري شامل — المستقبل السياسي يتطلب تفاهمًـا مشتركاً، وإطالة أمد الحرب ستكون الخاسر الأكبر فيها.
الشتات السوداني دورٌ حاسم: دعم مبادرات إنسانية ومدنية والضغط الدولي لحماية المدنيين










