
*”التوقعات المفرطة هي ديكتاتورية الأفكار التي تتسلط على طبيعة الواقع”.. الكاتبة..!
بعد اندلاع الثورة الفرنسية رفع الناس سقف التوقعات بأنها ستجلب الحرية والمساواة فوراً، لكن بعد سقوط الباستيل جاء “عهد الإرهاب” بقطع الرؤوس، ثم الديكتاتورية النابليونية. فكان لا بد أن يصطدم الحلم الكبير بالواقع القاسي قبل أن يتدرج الناس في التغيير..!
شعوب كثيرة فرحت بالتحرر من الاستعمار ورفعت سقف توقعاتها بدول عادلة وغنية، لكن كثيراً من تلك الدول غرقت في الفساد والانقلابات والحروب الأهلية، فتحول الحلم إلى خيبة..!
شعوب روسيا والجمهوريات السوفيتية توقعت أن دخولها عالم الرأسمالية سيجلب رخاءً اقتصادياً فوراً، لكن الانتقال العشوائي للخصخصة جلب فقراً مدقعاً وفساداً هائلًا في التسعينات..!
الإيرانيون أيضاً توقعوا أن الثورة ستجلب الحرية وتُسقط الاستبداد، لكن سرعان ما اكتشفوا أن الاستبداد تغير شكله فقط، وارتفعت قبضة السلطة الدينية، فأُحبطت التطلعات الشعبية.!
الفلسطينيون رفعوا سقف توقعاتهم بأن اتفاق أوسلو سيؤدي إلى دولة مستقلة قريباً، لكن السنوات أثبتت أن السقف كان أعلى بكثير من الواقع السياسي، فتحوّلت الآمال إلى خيبات، ثم ها نحن أولاء..!
بعض العراقيين ظنوا أن سقوط نظام صدام حسين سيجلب ديمقراطية وازدهاراً سريعاً، لكن سقف التوقعات هذا انهار أمام واقع الاحتلال، الفوضى، الطائفية، والإرهاب..!
بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، توقعت الجماهير في مصر، تونس، ليبيا، سوريا واليمن، أن سقوط الأنظمة سيعني مباشرةً مجتمعات ديمقراطية مزدهرة. لكن التوقعات العالية سرعان ما اصطدمت بالفوضى، الحروب، أو عودة النظم القديمة بطرق جديدة..!
في السودان رفعت الجماهير سقف التوقعات بأن الثورة ستفتح أبواب الحرية والعدالة والسلام فوراً، لكن استمرار الصراعات والخذلان السياسي والعسكري أفرغ الحلم الكبير من معناه..!
الحقيقة أن خيبات الشعوب لا تنشأ من الأفعال ذاتها، بل من سقوف خفية علقوها فوق رؤوسهم، ثم انهارت عندما لم يلبِّ الساسة المسئولون والسادة الحاكمون ما رسموهم في خيالاتهم..!
لكن، هل يمكن أن نلغي التوقعات تماماً؟. بالطبع لا. فنحن بشر، وانتظار الجيد وتوقع الأفضل جزء من طبيعتنا. غير أن الحكمة تكمن في التوازن، أن نتوقع بما يكفي لنُبقي شعلة الأمل حية، لكن أن لا نرفع السقف لدرجة تنهار معها الأفكار المركزية التي تبنى عليها مشاريع الأمن القومي والسلام المستدام!.
munaabuzaid2@gmail.com