
–
Ghariba2013@gmail.com
في عالمٍ تتشابك فيه المصالح السياسية وتُخفَت فيه أصوات الحق لصالح “الدبلوماسية الهادئة”، يأتي صوت السودانيين في المهجر ليُثبت أن إرادة الشعوب هي القوة الحقيقية التي لا تُقهر. لم تكن حادثة إلغاء الاتحاد الأوروبي دعوة شخصيات مرتبطة بمليشيا الجنجويد مجرد خبر عابر، بل كانت انتصاراً نوعياً يُعيد تعريف مفهوم التأثير السياسي ويُؤكد أن الضمير الحي أقوى من أي محاولة لتبييض صفحة الجرائم.
ما حدث في بروكسل هو قصة عن اليقظة الشعبية التي رفضت أن يمرّ أي تلاعب بالحقائق دون رد. حين علم التجمع السودانيون الشرفاء والجاليات السودانية بأن الاتحاد الأوروبي يستضيف شخصيات لها صلة بمليشيات الجنجويد، لم يترددوا لحظة. لم يكتفوا بالبيانات أو المناشدات الهادئة، بل نظموا وقفة احتجاجية حاشدة، حملت شعاراً واحداً: “لا للجنجويد… لا للمجرمين”. هذا التحرك السريع والموحد أرسل رسالة واضحة لا لبس فيها: لن يُسمح لأي جهة، مهما كانت قوتها، بتقديم الجناة كضحايا أو تلميع صورة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.
هذا الانتصار لا يتعلق فقط بإلغاء دعوة، بل هو انتصار لمفهوم العدالة والكرامة الوطنية. لقد أُجبر الاتحاد الأوروبي على تقديم اعتذار رسمي للشعب السوداني، وهو أمر نادر الحدوث في كواليس السياسة الدولية. هذا الاعتذار ليس مجرد اعتراف بالخطأ، بل هو تقدير لـ”يقظة وتفاعل السودانيين” الذين عبروا عن رفضهم. لقد أثبتت الجالية السودانية أن صوتها مسموع وأن نضالها خارج الحدود هو امتداد لنضال الشعب داخل الوطن. لقد كانت وقفتهم بمثابة صدى لآلام أهل الداخل، ودرعاً لقضيتهم العادلة.
ما يميز هذه القصة هو أنها كشفت عن وجه آخر للنضال الوطني. في خضم المعارك الدامية، يصبح نضال الوعي والإرادة خارج الحدود بنفس أهمية القتال على الأرض. لقد كان بيان التجمع السودانيين الشرفاء صريحاً في توجيه رسالة مشفرة لكل من يظن أن الصمت أو التخاذل يمكن أن يمرّ دون حساب. إنها رسالة لكل من يختبئون خلف “المقاعد الرسمية” أو “ربطات العنق” يساومون على قضية الوطن. لقد أكد البيان أن “صوت الشعب أعلى، وراية الوطن أقدس”.
إن وقفة بروكسل هي دعوة لنا جميعاً، سودانيين وغير سودانيين، بأن لا نغادر مواقعنا في الدفاع عن الحق. هي تأكيد على أن النضال من أجل السودان لا يقتصر على موقع جغرافي، بل هو التزام أبدي حتى يعود الحق إلى أهله وتُرد الكرامة للوطن. هذه الحادثة تذكّرنا بأن الأمل في التغيير يكمن في وحدة الصف والصلابة، وأن إرادة شعب واحد تستطيع أن تهز عروشاً وتُغير مسار قرارات دولية.