
كتب:إبراهيم عدلان
يعود الحديث اليوم عن طريق البساط الأحمر (Red Carpet Route) الذي شكّل لعقود شرياناً حيوياً يربط أعماق أفريقيا بأوروبا الغربية. لم يكن هذا الطريق مجرد خط عبور للطائرات، بل كان انعكاساً لصراع النفوذ بين القوى الاستعمارية الأوروبية على طرق المواصلات الجوية في القارة السمراء.
الجذور التاريخية لـ “البساط الأحمر”
تبلورت فكرة البساط الأحمر في حقبة السوق الأوروبية المشتركة، حيث سعت فرنسا لتثبيت نفوذها الفرانكفوني عبر غرب أفريقيا. فكان مسارها الجوي الرئيسي المعروف بـ طريق البساط الأحمر الذي يمر عبر الدار البيضاء، داكار، أبيدجان، ونواكشوط، وصولاً إلى جوهانسبرج.
في المقابل، عمل البريطانيون على تطوير مسار موازٍ هو أمبر 10 دلتا (Amber 10 Delta)، الذي يربط أوروبا بشرق ووسط أفريقيا عبر مصر والسودان ونيروبي. وبذلك، أصبح المجال الجوي الأفريقي ساحة تنافس استراتيجي بين المحور الفرنسي والمحور البريطاني، حيث مثّل كل مسار رمزاً لنفوذ سياسي واقتصادي أكثر من كونه مجرد خط طيران.
السودان في قلب المعادلة
في هذا السياق، شكّل السودان موقعاً محورياً على مسار أمبر 10 دلتا البريطاني، إذ وفر ممراً جوياً قصيراً وآمناً بين الشمال والجنوب، ما جعله لاعباً أساسياً في حركة العبور بين أفريقيا وأوروبا. لكن مع إغلاق مجاله الجوي مؤخراً بسبب الحرب، فقد السودان هذا الدور لصالح ممرات بديلة عبر غرب أفريقيا، وهو ما انعكس سلباً على عائدات العبور وعلى مكانة مطاراته.
البساط الأحمر بعد الأزمة الليبية والتحولات السياسية في غرب أفريقيا
مسار البساط الأحمر اكتسب رونقاً جديداً بعد إغلاق المجال الجوي فوق الخرطوم، ما دفع شركات الطيران إلى إعادة النظر في الممرات الجوية التقليدية. علاوة على ذلك، أدى إغلاق المجال الجوي الليبي منذ بداية الأزمة في ليبيا إلى تحويل المزيد من الحركة الجوية نحو غرب أفريقيا.
كما لعبت التطورات السياسية في دول مثل النيجر ومالي، خصوصاً بعد انسحاب القوات الفرنسية وعودة سيادة الدول على أجوائها، دوراً في تعزيز أهمية مسار البساط الأحمر. هذه المتغيرات جعلت الطريق الغربي أكثر جاذبية للشركات الأوروبية والأفريقية على حد سواء، حيث أصبح خياراً عملياً لتجنب المناطق المتأثرة بالأزمات السياسية والعسكرية في شمال وشرق أفريقيا، وزاد من أهميته الاستراتيجية كحل بديل آمن للربط بين أوروبا وأفريقيا.
تجربة شخصية: تفتيش مطارات “البساط الأحمر” عام 2017
في عام 2017 كنت ضمن وفد مشترك للخطوط الأوروبية، ممثلاً عن الخطوط السويسرية، في مهمة لتفتيش مطارات غرب أفريقيا الواقعة على مسار البساط الأحمر. كان الهدف إعداد تقرير شامل عن البنية التحتية ومدى الجاهزية التشغيلية لهذه المطارات، باعتبارها مطارات بديلة (Alternate Airports) لرحلات الخطوط السويسرية العابرة بين أوروبا وأفريقيا.
شملت الجولة الميدانية:
• مطار محمد الخامس – الدار البيضاء (المغرب): البوابة الأطلسية لأفريقيا، بمرافق حديثة وقدرات تشغيلية واسعة.
• مطار نواكشوط – موريتانيا: مطار صغير نسبياً لكنه يؤدي دوراً محورياً في الربط بين الشمال والغرب الأفريقي.
• مطار كنشاسا – الكونغو الديمقراطية: بمرافق متواضعة ومشكلات في الخدمات الأرضية، لكنه يظل نقطة ارتكاز مهمة.
• مطار أبوجا – نيجيريا: يتمتع بقدرة تشغيلية جيدة لكنه يعاني من ضغط الحركة وكثافة الاستخدام.
• مطار أبيدجان – ساحل العاج: من أكثر مطارات غرب أفريقيا تنظيماً وكفاءة، ويعكس استقرار البنية التحتية.
• مطار جوهانسبرج – جنوب أفريقيا: المحطة النهائية والأكثر تطوراً، حيث يلتقي البساط الأحمر مع الممرات الجوية القادمة من جنوب القارة.
كانت تلك الجولة فرصة للوقوف على تفاوت البنية التحتية للمطارات الأفريقية، وإدراك أن بعض هذه المطارات يواكب المعايير الدولية، بينما ما زال البعض الآخر بحاجة إلى تحديثات كبيرة.
إلى أين يتجه السودان؟
اليوم، ومع الحديث عن إعادة فتح المجال الجوي السوداني، يطرح السؤال نفسه: هل يستطيع السودان استعادة مكانته التاريخية على مسار أمبر 10 دلتا، أم أن الممرات البديلة التي ترسخت عبر غرب أفريقيا ستستمر في إضعاف دوره؟
توصيات لمستقبل السودان على “البساط الأحمر” و”أمبر 10 دلتا”
• تحديث مطار الخرطوم والمطارات الإقليمية لتلبي معايير المطارات البديلة العالمية.
• الاستثمار في أنظمة الملاحة الجوية والمراقبة الحديثة لكسب ثقة شركات الطيران الدولية.
• الدخول في شراكات استراتيجية مع الناقلات الأوروبية والأفريقية لإعادة المسارات عبر الأجواء السودانية.
• تحويل الموقع الجغرافي للسودان إلى ميزة تنافسية تعزز دوره كممر رئيسي بين أوروبا وأفريقيا.
• الاستفادة من “بلوكات الخطة الدولية لتطوير الملاحة الجوية” (GANP Blocks) التي وضعتها الإيكاو، من أجل تحديث تدريجي ومتدرج للبنية التحتية للملاحة الجوية، بما يضمن التكامل مع التطور العالمي في إدارة الحركة الجوية.