بيت الشورة .. عمر الكردفاني يكتب : في أزمة التحويلات بين المصارف …..أنهم يحتكرون الفضاء ويعرضون حسابات العملاء لل(جغم)

قبل ثلاثون عاما قابلت أحد قدامى المصرفيين السودانيين وكان لطيفا ومحدثا لبقا حكى لنا في إحدى الجلسات أنه في بداية سبعينيات القرن الماضي ابتعث إلى بريطانيا في دورة مصرفية متقدمة ، قال إنه عندما أراد صرف شيك الإعاشة ذهب إلى (أحد البنوك) وليس البنك صاحب الشيك المعني وقام بتسليم الموظف الشيك وحاول الانصراف ريثما تتم عملية ال(مقاصة ) إلا أن الموظف استوقفه وحسب وصفه :انحنى على صندوق أمامه ونظر فيه ثم عد النقود وسلمها الي , تصور متى كانت المقاصة الالكترونية عند مصارف بريطانيا ؟.
والحال كهذا ما زلنا في السودان نعمل عن طريق وسيط في تنفيذ التحويلات بين المصارف ، فقبل الحرب كانت هنالك عملية التحويل عبر البطاقة الالكترونية الخاصة بالمصارف المختلفة فلماذا تم استحداث نظام مختلف للتحاويل بين المصارف عبر (وسيط)
فالوسيط أو السمسار هو ذات الوصف سواء إن كان شخصا شركة أو حتى حكومة .
إذ ظهر احتكار يهدد ثقة العملاء ويشل التحويلات البنكية في السودان وقد ظهر جليا في الأيام الماضية عبر عملية عكس التحويلات والتي أولها البعض بأنها (جغم ) لارصدة العملاء كما قال أحدهم
ومما علمت أن المبالغ التي تم عكسها من حسابات العملاء مؤخرًا لم تكن خطأ البنوك بل بسبب فشل شركة EBS المحتكرة للتحويلات المصرفية بين البنوك.
إذن نحن أمام شركة واحدة فُرضت على النظام المالي، دون رقابة، ولا منافسة، ولا تطوير حقيقي باخطاء متكررة ، وتكاليف يتحملها المواطن.
ففي دول مثل كينيا ونيجيريا، تم كسر الاحتكار وأطلاق ثورة مالية إلكترونية رفعت الكفاءة والجودة.
أما في السودان، فاستمرار احتكار EBS يعني استمرار الأعطال وفقدان الثقة.
لذا فالشارع العام الذي ظن أن ما حدث ما هو إلا (جغم) لارصدة العملاء وبعد أن علم أن ما حدث لم يكن سوى خطأ من شركة (سمسارة) فقد طالب بفتح سوق التحويلات فورًا، ووقف فرض شركة واحدة على البنوك، وترك المجال لشركات تكنولوجيا مالية مؤهلة تقدم حلولًا تنافسية تحت إشراف البنك المركزي.
لأن المستقبل لا يُبنى بالاحتكار… بل بالتنافس والشفافية.
ثم ماذا بعد ؟
إن ما يحدث من حراك في الاقتصاد الوطني الآن ليس بالضرورة كله شر بل هنالك خير كثير إذا ما فتحت الجهات المعنية عقولها لاستيعاب التجارب التي أتى بها اقتصاديين وطنيين درسوا تدربوا وعملوا في كبريات البيوتات الاقتصادية العالمية والإقليمية ما يجعلهم مؤهلين لقيادة مبادرات اقتصادية وطنية راسخة تخدم الاقتصاد الوطني وتفتح آفاقا واسعة للتعاطي مع الاقتصاد العالمي لرفع اسم السودان عاليا في المحافل الاقتصادية الدولية وحتى يكون مؤهلا لتلقي الدعم المادي والفني والتنسيقي بعد الحرب لإقامة المشروعات الاستراتيجية ذات العائد الكبير من أجل اجيال الغد