شيء للوطن.. م.صلاح غريبة يكتب: “الرباعية المشبوهة ورهانات الكرامة”: السودان يرفض الإملاءات ويتمسك بخارطة طريق جيشه

Ghariba2013@gmail.com
منذ اندلاع شرارة الصراع الأخير، يجد السودان نفسه في مرمى نيران مزدوجة: نيران الميليشيا المتمردة على الأرض، ورياح الضغوط الدولية والوساطات التي يرى فيها الكثيرون محاولات للإبقاء على المشهد الفوضوي أو فرض حلول تقوض الدولة الوطنية. التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، خلال اجتماعه بكبار الضباط، وضعت النقاط على الحروف، وحددت بوضوح بوصلة السيادة السودانية في مفترق الطرق الحرج هذا.
البيان الأبرز في خطاب البرهان كان الرفض القاطع لـ “الرباعية” كوسيط مقبول إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة جزءًا منها. لقد وجه القائد العام اتهامًا صريحًا للإمارات بدعم المتمردين، مؤكدًا أن هذا الدعم يجعل أي دور لها في الوساطة مرفوضًا وغير محايد. هذا الموقف يمثل تصعيدًا دبلوماسيًا وشكلًا من أشكال المواجهة العلنية للتدخلات الخارجية التي ترى القيادة السودانية أنها تغذي الصراع. بالنسبة للقيادة، لا يمكن لدولة ضالعة في دعم طرف أن تكون محايدة في إيجاد حل، وهذا منطق سيادي يسعى لحماية مصلحة الدولة من التآكل عبر قنوات الوساطة.
لم تتوقف الانتقادات عند الإمارات، بل امتدت لتشمل الورقة التي قدمتها الرباعية عبر المستشار الأمريكي مسعد بولس. وصف البرهان هذه الورقة بأنها “أسوأ ورقة يتم تقديمها”، مبررًا ذلك بأنها تلغي وجود القوات المسلحة، تطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية، وتبقي الميليشيا المتمردة في مناطقها. هذا الطرح، بحسب الرؤية السودانية، لا يعدو كونه وصفة لتفكيك الدولة وتثبيت الأمر الواقع الذي فرضه التمرد.
وفي سياق متصل، فكك البرهان السردية التي يروج لها بولس بشأن سيطرة تنظيم الإخوان داخل الجيش، واصفًا إياها بأنها “سردية ظلت تطلقها دولة الإمارات” وتُستخدم كـ “فزاعة” للمؤثرين الإقليميين والدوليين. هذا النفي القاطع يؤكد أن القيادة السودانية ترى أن الهدف من هذه السردية ليس الإصلاح، بل تقويض شرعية القوات المسلحة كجيش وطني واحد، وتمهيد الطريق لحل يناسب أجندة المتمردين وداعميهم.
في المقابل، شكلت الإشادة بمساعي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، نقطة توازن هامة. حيا البرهان هذه المبادرة، معولًا عليها باعتبارها “صوت الحق وصوت المنطقة”، ومؤكدًا أن أمن البحر الأحمر يهم الجميع. هذا الموقف يشير إلى تفضيل الوساطة الإقليمية التي تتفهم أبعاد الأزمة الحقيقية وتستند إلى رؤية أمنية واستراتيجية مشتركة، بعيدًا عن الإملاءات الهدامة.
لكن الأهم، هو تأكيد البرهان على أن أي سلام يجب أن يستند إلى خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية. هذه الخارطة تقوم على مبدأ واضح لا يمكن التنازل عنه:
وقف إطلاق النار يصحبه انسحاب الميليشيا من كل المناطق والمدن التي دخلتها بعد اتفاقية جدة (مثل زالنجي، الجنينة، الفاشر، ونيالا).
تجميع الميليشيا في مناطق محددة لتمكين السودانيين من العودة إلى ديارهم.
الدخول في حوار سوداني خالص لتحديد مستقبل البلاد.
إن جوهر خطاب البرهان هو الإصرار على أن “معركة الكرامة هي معركة بقاء لكل السودانيين”. فكرة وقف إطلاق النار دون انسحاب وتجميع للمتمردين هي في نظر القائد العام دعوة صريحة لـ “تقسيم السودان” وتثبيت لاحتلال الميليشيا. كما رفض القائد العام بشكل مطلق فكرة فرض أشخاص بعينهم على المشهد السياسي المستقبلي، مؤكدًا: “لا أحد يستطيع أن يفرض علينا حمدوك وحميدتي”.
وفي الختام، يرسل البرهان رسالة واضحة لكل من في الداخل والخارج: المؤسسة العسكرية عازمة على حسم المعركة بشرف وعزة دون تدخل خارجي، والحلول التي تبقي على المتمردين أو تحاول تفكيك الجيش الوطني هي حلول مرفوضة. السودان، من وجهة نظر قيادته، ليس ضعيفًا ولن يقبل بأنصاف الحلول التي تتهدد وحدته ووجوده، والسبيل الوحيد للسلام هو خارطة طريق الجيش التي تعيد السيادة والكرامة لأرض السودان وشعبه.










