المقالات

إعادة الإعمار بين الاستعجال و المخاوف وغياب الرؤية .. (كيف يمكن أن تتحول مرحلة البناء إلى أزمة جديدة؟) بقلم: أحمد حسن الفادني

في المقال السابق الذي كتبناه عن المحافظ و الصناديق الاستثمارية كجزء من الحل الاقتصادي الذي وضحنا فيه عدد من المحافظ واهميتها و دور الدولة في تنمية و نمو الاقتصاد القومي تناقش معي عدد من الاخوة الخبراء و الذين نعدهم من ابناء الوطن البارين و قلوبهم على الوطن في هذا الشأن و كان اغلبهم يتداولون معنا نفس النقاط و هو غياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية و الاستعمار باشكاله الجديدة و هو الاستعمار الاقتصادي لذا نبعت فكرة هذا المقال ونريد أن نوضح فيه بعض المخاوف التي تؤرق كثير من ابناء بلادي في هذا الشأن .
بعد أن تضع الحرب أوزارها، يقف السودان أمام استحقاق وطني كبير وهو اعادة الاعمار لدولة كاملة تصحح فيها المفاهيم وتسود فيها روح البناء و التعمير و القانون فلابد أن يكون هناك مشروع نهضوي وطني متكامل ، ولكن تزيد المخاوف بان يتحول إلى أزمة مضاعفة إذا تم التعاطي معه دون رؤية استراتيجية واضحة وباستعجال غير محسوب .
فبين إغراء التمويل الدولي وضغط الحاجة المحلية، تبرز هذه المخاوف بصورة جدية من الدخول في دوامة ديون مرهقة او التنازل عن اصول وطنية لصالح مستثمرين أجانب فقط من أجل الإنجاز السريع لاسترضاء المواطنين وتحسين الصورة الذهنية .

#غياب التنسيق… بوابة للفوضى المؤسسية
“لا يمكن للإعمار أن ينجح دون مؤسسات دولة متماسكة تتحدث بلغة واحدة.”
فالتسرع لتنفيذ مشاريع الإعمار دون وجود تنسيق بين مؤسسات الدولة – من وزارات وهيئات واتحادات وحكومات محلية يعد من أبرز المخاطر التنفيذية فكثير من المشاريع قد تطلق في ذات التوقيت وتتنافس على ذات الموارد، مما يخلق فوضى إدارية وتضارب في الأولويات، فضلا عن إهدار للموارد دون التخطيط و الاعداد اللازم و الجيد ،النجاح في الإعمار يبدأ بتشكيل جسم وطني موحد لإدارة هذه المرحلة، يتمتع بالسلطة الفنية والسياسية لوضع الخطط، ومتابعة التنفيذ، ومحاسبة المقصرين.

#فخ الديون… استعمار جديد بثوب اقتصادي
“ما نخشاه هو أن نقايض الديون بالسيادة.”
العروض الكثيرة التي ستطرح وبدأت تطرح على طاولات اللقاءات و الاجتماعات على القيادة الحالية للسودانو من جهات مانحة ومستثمرين دوليين واقلميين ليست كلها بريئة أو لصالح الشعب. هناك دول ومؤسسات تستغل لحظات ما بعد الحرب لفرض شروط تمويل مجحفة، تربط القروض بسيطرة طويلة المدى على قطاعات حساسة مثل الطاقةو الموانئ و الاتصالات و المطارات وحتى الأراضي الزراعية إذا لم تدرس من قبل
جهاز سيادي قوي يقيم هذه العروض و الفرص فإن الدولة قد تجد نفسها في دوامة مديونية تقيد قراراتها السياسية والاقتصادية لعقود طويلة وتصبح السيادة الوطنية في خبر كان .

#غياب الرؤية الوطنية… خطر مركزي
“الإعمار ليس بناء جدران، بل بناء دولة من الداخل.”
ما ينقص السودان اليوم ليس فقط المال، بل الرؤية. يجب أن تنبثق خطة الإعمار من الداخل، من السودانيين أنفسهم، لا من استشاريين دوليين لا يعرفون تعقيدات المجتمع السوداني
فنحن بحاجة لخطة متكاملة تراعي التوزيع العادل للمشاريع بين الأقاليم وتدمج الإصلاح المؤسسي مع التنمية الاقتصادية، وتمنح الأولوية لتقوية الإنتاج المحلي وتمكين الكفاءات الوطنية من تقديم مقترحاتها دون ايدولوجية معينة .

#الاستثمارات الحيوية ليست للبيع. “الاستثمار ليس خصخصة… ولا يجب أن يكون بوابة لتسليم مفاتيح الاقتصاد.”

وتعد هذه النقطة من أكبر المخاوف أن تستغل بعض الجهات لحظة الحاجة والعجلة لشراء أو امتلاك استثمارات حيوية بأثمان بخسة او بشروط تمنحها التحكم في مسارات الاقتصاد او احتكار بعض السلع الاستراتيجية التي تمثل عصبي الاقتصاد .لذا يجب أن تكون هناك خطوط حمراء واضحة في أي اتفاقيات شراكة( لا تنازل عن الملكية الوطنية للموارد، لا شراكات دون شفافية، ولا عقود دون رقابة قانونية وتشريعية صارمة).

كما يجب أن يمنح القطاع الخاص المحلي، والمغتربون السودانيون، الأولوية في الاستثمار في مشاريع الإعمار من خلال الصناديق و المحافظ الاستثمارية وذلك لضمان أن تبقى الثروة داخل الوطن ولا مانع من دخول لبعض مالكي رؤوس الاموال و التقنيات الحديثة من الدخول في الشراكات بقيود واشتراطات قوية لاتمنع ولا تمنح.

ومن هنا ممكن ان نلخص القول أن الإعمار يعد فرصة قوية لبناء رؤية استراتجية قومية تمتد لعقود وان إعادة الإعمار ليست فقط مرحلة ترميم لحظية ، بل لحظة تأسيس جديدة لمستقبل جديد يراعي التغيرات العالمية و الاجيال القادمة.لبناء سودان جديد أكثر عدلا واستقرارا واستقلالية. لكن هذا لن يحدث إلا إذا تم تجاوز الاستعجال، وتوحيد الرؤية، ورفع سقف الشفافية، وحماية القرار الوطني من التأثيرات الخارجية وتحقيق مبدأ المحاسبة.
فالسودان يمكن أن ينهض، ولكن بشروطه هو، لا بشروط الآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *