
تدور هذه الأيام نقاشات واسعة حول قرار وزارة الإعلام في السودان إيقاف بث قناة “الشرق”، بعد اتهامها بتجاوزات تتعلق بدعم المليشيا وبث بيانات الجنجويد، فضلًا عن استضافة ممثليها عبر برامجها مثل نافذة السودان، يأتي هذا القرار في ظل الحرب التي تعيشها البلاد، حيث يصبح الإعلام سلاحاً ذا حدين، إما أن يكون وسيلة لنقل الحقيقة بمهنية، أو يتحول إلى أداة لإثارة الفتن وخدمة أجندات معادية تمس الأمن القومي.
لا شك أن حرية الإعلام مبدأ أصيل، لكن هذه الحرية يجب أن تكون مقترنة بالمسؤولية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي في زمن الحرب، إن دعمنا لحرية الرأي والتعبير لا يعني السماح بنشر مواد تضر بالبلاد أو تمنح صوتاً لمن يحاولون تقويض مؤسسات الدولة،ومع ذلك فإن إغلاق المنابر الإعلامية الخارجية بشكل تعسفي ليس الحل الأمثل، خاصة أن هناك العديد من القنوات الأخرى التي ما تزال تبث من بورتسودان رغم تجاوزاتها الواضحة وتصنيفها ضمن القنوات المعادية.
الضوابط التي تضعها الدولة لعمل القنوات الخارجية يجب أن تُحترم، فمن حق أي وسيلة إعلامية العمل ضمن بيئة قانونية واضحة تضمن المهنية دون انحياز فجّ للجنجويد،وهناك نماذج إيجابية تستحق الإشادة، مثل المراسل نزار بقداوي، الذي يقدم تقارير مهنية من خطوط النار دون أجندات خفية، مؤكداً أن الصحفي يمكنه القيام بواجبه بنزاهة حتى في أحلك الظروف.
على صعيد آخر، لا يقتصر الاختراق الإعلامي على القنوات الفضائية، بل يمتد إلى الإعلاميين السودانيين المقيمين في الخارج، الذين يبثون عبر منصات مختلفة تسجيلات ومقالات ركيكة تحمل هجوماً ممنهجاً على قيادة الجيش والدولة، في انحياز واضح للمليشيا، بعض هؤلاء الإعلاميين نقلوا نشاطهم إلى يوغندا، بينما تلقى آخرون أموالًا مباشرة من المليشيا لتنفيذ أجنداتها الإعلامية، وهو ما يمثل خيانة صريحة للوطن في ظرف حرج.
إن الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن المعركة العسكرية، ومن الضروري أن تتخذ السلطات إجراءات حاسمة تجاه كل من يستخدم الإعلام أداة لهدم الدولة وخدمة الأعداء، في المقابل، يجب أن يكون هناك إصلاح داخلي في المشهد الإعلامي السوداني، لضمان التزام القنوات والصحفيين بالمعايير المهنية والوطنية، بعيداً عن الانحياز للمليشيا المتمردة على الدولة.
في النهاية، يبقى الإعلام المسؤول هو القادر على نقل الحقيقة دون تزييف، ودون أن يكون مجرد بوق دعاية لأي جهة، فالرهان في هذه المرحلة المصيرية يجب أن يكون على المهنية، لا على التوظيف السياسي والإعلامي لصالح أجندات معادية.