المقالات

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب : بطل سياسي..!

*”الشجاعة التي نريدها ونكافئ عليها ليست شجاعة الموت بطريقة مشرفة، بل شجاعة الحياة برجولة” .. توماس كارليل ..!

 
لم يولد المهاتما “غاندي” في يوم خاص، ولم يشهد العالم متغيرات ظاهرة أو حتى طفيفة في حالة الطقس يوم ولادته، بل أتى في هدوء كمئات العظماء الذين يأتون بلا ضجيج ويرحلون في صمت، تاركين إرثاً يحكي الكثير عنهم دونما كلام. كان يَفزع من الأشباح و الهوام، وقد ظلَّت زوجته تعاني من إشعال الإضاءة في غرفة نومهما – كل ليلة – حتى الصباح لأنه كان يخاف من الظلام ..!

لم يكن “غاندي” جاموس خلاء بأية حال، بل كان نموذجاً مناسباً ومُمَنْطِقَاً لشخصية البطل المترعة بمثالب نقيض البطل التي أحيتها واقعية الفن الحديث. ومن خلال عاديته تلك حقق مشروعه السلمي العظيم ” الساتيا غراها ” الذي باركت الإنسانية آلياته التي تتلخص في اللجوء إلى المقاومة السلبية أو اللاعنفية، كوسيلة لتحقيق الإصلاح الإجتماعي والسياسي ..!

“تغيير المواقف ليس من شأنه أن يُقوِّض مفهوم البطولة  كما أن تغيير الرأي في مطلق الأحوال لأجل الأهداف القومية ليس رجوعاً عن الصواب بل هو رجوع عملي إليه”، متكئاً على هذه الفلسفة حقق غاندي كل إنجازاته الإصلاحية بفضل تراجعه الشجاع عن بعض آرائه التي أثبتت الأيام عدم جدواها، فوضع بذلك حجر الزاوية لديمقراطية قوية شهد العالم ولا يزال رسوخها. بينما ظلت الديمقراطية في بنجلاديش وباكستان التي كان الانفصال خيارها – في وقته – تتَملْمَل حتى الساعة ..!

في أثناء إقامته في جنوب إفريقيا كون غاندي فرقة إسعاف هندية بهدف مساعدة الجرحى البريطانيين في حرب البوير، وقد ظلَّت فرقته تقدم الخدمات الطوعية للبريطانيين حتى في حروبهم مع الزولو. وقد ظلَّ يفعل هذا على الرغم من تعاطفه العميق مع شعب الزولو باعتبارهم أسياد أرض وأصحاب حق. فهل كان غاندي ميكافيلياً..؟

الإجابة على هذا السؤال بالنفي أمر تكفلت به قوة الهند السياسية والاقتصادية المتعاظمة، كما تكفلت به أضابير التاريخ التي لا تغفل شيئاً ..!

ولأن البطولات السياسية ليست مواقف جذابة أو حتى داوية بل نتائج محسوبة ومرضية للشعوب ولتاريخها في النهاية، كان غاندي يرى أن بريطانيا – المستعمِرة – هي المعبر الوحيد لتطوير الهند، وأن الانتعاش الاقتصادي لن يكون إلا بالحفاظ على الصداقة معها. وكل هذا في ظل الثبات على مبدأ أن الهند لا يجب أن يحكمها سوى الهنود، وقد كان له ما أراد ..!

المناخرالسياسي في السودان كان وما يزال يشهد مفهوماً مشوشاً لفكرة البطولة والإنجاز السياسي، وثقافتنا – التي تتكئ في خصوصيتها على موروثاتنا العرب إفريقية – كانت وما تزال تُضَيِّقُ الخِنَاق على أي معني جديد لفكرة البطولة السياسية خارج مصطلح  “جاموس الخلاء”..!

ما تزال البطولة السياسية في مجتمعاتنا تدور حول المعاني المرادفة مفهوم الثورة “قرارات عاطفية تشوبها الحماسة، وتهور سلوكي يكلله إقدام ساحات الوغى، وغضبات “مضر- زنجية” لا تأبه لمقتضيات الأحوال الراهنة، ولا تكترث لاعتبارات القوى الناعمة”..!

“لا تدرك الحقيقة الكاملة إلا عين تنظر من ربوة الأبدية على الزمن كله”، وعين التاريخ في سودان ما بعد الحرب سوف تومئ دوماً نحو المواقف السياسية الوفاقية الإصلاحية الوطنية، وكل ما عدا ذلك سوف يذهب جُفاء!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *