المقالات

هناك فرق.. منى أبوزيد تكتب: لا تعكروا مزاجنا..!

 
 

*”إذا كان قانون الفيزياء يقول إن الضغط يولد الانفجار، فقانون الاجتماع يقول إن الضغط يولد النفاق الاجتماعي” .. عبد الكريم بكار ..!

في سودان ما قبل الحرب وقبيل الثورة، أي قبل سنوات مضت، وفي حدثِ درامي – أو حادثةٍ شهيرة – تقدم أحد الولاة باستقالته، أو لعله قد وُجِّه بتقديم الاستقالة، لست أدري بالضبط. هي على كل حال تفاصيل شكلانية لم تكن تعني مدير تلك المؤسسة المرموقة في شيء، بقدر ما كان يشغل باله تدبيج تهنئة معتبرة للسيد نائب الوالي، الذي كان اضطلاعه بشئون الولاية أمراً معلوماً بالضرورة..!

طلب المدير من موظف العلاقات العامة والذي منه، أن يسارع إلى نشر تهنئة باسم المؤسسة في أكثر صحف الخرطوم انتشاراً. وبعد مرور قائق عاد الموظف إلى مديره ليخبره بأن الصفحة الأخيرة بتلك الصحيفة محجوزة ليوم غد. فعَبَس المدير في وجهه، وكأنه يراه مسئولاً عن ذلك “العارض” على نحوٍ ما. ثم أمره باقتضاب أن يحجز نصف الصفحة الأخيرة في عدد اليوم التالي ..!

 في المساء كان السيد المدير يدخن حجراً من المُعَسِّل المستورد بصحبة بعض أصدقائه المقربين من دوائر صنع القرار، حينما سمع خبراً مؤكداً عن حل حكومة تلك الولاية برُمَّتِها، وتعيين مسئول آخر والياً على شئونها وشجونها..!

في صباح اليوم التالي قامت السكرتيرة باستدعاء الموظف المسئول عن نشر ذلك الإعلان إلى مكتب المدير على وجه السرعة، فلبَّى النداء مهرولاً، وهو يسأل الله أن “يَسُتُرَها”. دخل الموظف على مديره فوجده منتفشاً كمصيبةٍ في أطوارها الأولى، عابساً في وجهه، وكأنه هو الذي أطاش سهم توقعاته السياسية. وقد تمخض ذلك اللقاء – بطبيعة الحال – عن أمرٍ إداري بإلغاء تهنئة الوالي المكلف السابق، وتدبيج تهنئة أكثر حماسةً للوالي الجديد. مع توجيهٍ صارم بأن تكون مساحة التهنئة صفحة كاملة، هذه المَرَّة ..!

قبيل اندلاع ثورة ديسمبر ببضعة أشهر قامت اللجنة الشعبية بولاية الجزيرة بتكريم واليها السابق الذي أصبح رئيساً للوزراء وأهدته قطعة أرض بأحد الأحياء الراقية وعربة “لاند كروز استيشن موديل العام”..!

صحيح أن السيد رئيس الوزراء – المُحتفى به باعتبار ما سبق تصريحاً، وباعتبار ما هو آتٍ تلميحاً – قد اعتذر عن استلام تلك الهدايا بصفته الشخصية، لكنه قام بعملية “ري قفتينق” لتلك الهدايا، كما يقول الخواجات، فوجه  بمنح العربة لمستشفى القلب وتخصيص قطعة الأرض لإنشاء استراحة لمرافقي مرضى السرطان، متبرعاً من حر ماله بمبلغ مُعتَبر لتدشين العمل في مشروع الاستراحة – كل هذا صَحيح – لكن ردة فعله تلك لا تمنح شَرعيَّة لذلك التمَلُّق الشعبي الذي تحول إلى ظاهرة مقيمة، ما زالت مستمرة، رغم اندلاع ثورة وقيام حرب ..!

التعديلات والتعيينات الأخيرة التي جاءت بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على قيام الحرب وما صاحبها من صور التهاني والتبريكات وما لازمها من مظاهر الإفراط في التصريحات قبل الشروع في أي عمل- كل هذه اللقطات المكررة – تثبت أن هذه الحرب لم تعمل فينا أسلحتها بما يكفي لإحداث التغيير اللازم ..!

مثل هذا السلوك الحكومي والشعبي لا نجد له نظيراً في بلاد أخرى، مُنعَّمَة اقتصادياً، ومُتقدِّمة حضارياً، ليس لشيء سوى أنها قد طوَّرت وعيها الشعبي، وتسلَّحَت برُقِيِّها الحقوقي، في مواجهة هذا الضرب من الإهدار الغاشم للحقوق والمشاعر والأفعال والأقوال والأموال ..!

ببساطة إما أن لا يؤدي المسئول واجبه كما ينبغي، فيكون بذلك مقصراً، وإما أن يقوم المسئول بشئون تكليفه على أكمل وجه، فيكون بذلك قد أدَّى واجباً،
لا أكثر!.

munaabuzaid2@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *