…قال زواره في أيامه الأخيرة انه عانى من نوستالجيا مفرطة وحنين دافق للبلد .. لعله كان فى ذلك مثل ” موزارت ” عبقرى الدانوب الذى شرع ، وقد احس بدنو اجله، فى تأليف معزوفة الوداع ” قداس الموت ” تأبينا لنفسه ، فمات قبل أن يكمله فقام بذلك صديقه الملحن الشهير ” سالييرى”. رحل عبد الله عربى فاحزننا ، وغادر وفى وجدانه أشجان الضفاف وأحلام العودة ،وهو الذى جعل الًوطن أكثر وسامة وحياتنا آقل وحشة .. عندما اغمض الحمام جفون عربى انفصل القوس عن وتر الكمان وتسللت نغمه ملتاعة لتعلن لبلاد النيلين فى موسم أحزانها الممتد موت دنيا وتوقف نبض ‘المصفى القانونى” لاحزاننا.. شكل عربى ، وهو سليل أسرة مبدعة بدءا بوالده المنشد ‘ المعروف، وإخوته المطربين والعازفين، ضلعا رئيسيا فى مدرسة الخرطوم جنوب والسجانة ذات البصمه البائنه والمبهرة والمتفردة فى حركة تطور الأغنية والموسيقى السودانية بنبوغ عازفيها من لدن عبد الفتاح الله جابو وحسن بابكر وحمره سعيد وأحمد بريس وعوض رحمه ومحمد سراج الدين .. لم يكن عبّد الله عربى عازفا ماهرا مرافقا لعمالقة الغناء فحسب بل كان مؤلفاً وملحنا وموجها وهو من كان خلف فكرة الورش الفنية بحثا وتشريحا للأعمال الفنية قبل تقديمها على النحو الذى تعرضت له أغنية ‘شجن ‘ لعثمان حسين ، حيث كان عشاق فنه ومتابعيه وزوار مكتبه وكان قد بلغ مرتبة كبير المراجعين يمازحونه ” ياعربي .. مراكب ريدنا لسه ماوصلت؟” مشيرين بذلك للكوبليه الأخيرفى أغنية شجن ” وتعود مراكب ريدنا لى بر الأمان” .. كانت ‘ صولات’ و ‘ حليات’ عبد الله عربى تتحدث عن نفسها ، بل كانت تتفوق على كامل اللحن احيانا… وكان وجود عربى علامه تميز الأوركسترا ، بنظارته السميكة ووجهه الصارم ماعدا شىء من ابتسامه عندما يستمع لتصفيق المعجبين بعدتنفيذ ‘ الصولات ، وقد اضافت الفترة التى ابتعث فيها للنمسا الكثير لتجربته لجهة اجاده العزف والأداء الاوركسترالى عموما وغيرها من المدخلات.. زامل من الفنانين الكباراحمد المصطفى الذى كان اول من عمل معه من الفنانين الى جانب الكاشف وعثمان حسين والتاج مصطفي وحسن عطيه وحسن سليمان ومنى الخير ،وتظهر بصماته مع الاخيره فى ” قمريه فوق الدوح” و” عيون ألمها” .. وقد قلت له اكثر من مرة ان الصولو الذى نفذه فى أغنية ” ليتنى زهر ” مع الفنان رمضان زايد فى جزىيه ‘ أنا ليتنى انتى فى معبد الحس ‘ يعادل روعة الاغنيه بكاملها ….. تعاون عربى لحنيا مع العديد من الفنانين ،” فلحن لمحمد ميرغنى وسيد خليفة وشرحبيل احمد والتيجانى مختار وحسن درار ،وكانت من اشهر ألحانه ” هبت الخرطوم فى جنح الدجى” وقد أداها عبد الكريم الكابلي من كلمات السفير عبد المجيد حاج الامين و” فيها إيه لو جيت فايت ” بأداء الفنان عثمان مصطفى وكلمات الجيلي محمد صالح….
عندما نعى الناعى الموسيقار الشهير موزارت ودوى صوت مصرعه في المدينة تلفت الناس لمعزوفته ” قداس الموت ” التى لم يكملها .. قالوا انها ستظل تذكرة بانه لايزال حيا فى وجدان الناس وأنها ستظل احتفالا بالحياه….. مثلها سيكون ارث عبد الله عربى.
اترك رد