المقالات

الأمم المتحدة وتحدي حوار الحضارات بقلم: الدكتور ضيو مطوك ديينق وول

كثير من العلماء والمفكرين بذلوا جهدا كبيرا في التطرق لهذا الموضوع الشائك في كتاباتهم خاصة ضرورة إيجاد الصياغة التي تتضمن الحد الأدني للتعايش السلمي بين كافة المكونات الحضارية طالما هناك فوارق كونية ووجودية.

الفلاسفة الكبار أمثال جورج هيغل، جون لوك وجان روسو وغيرهم تطرقوا لهذه القضية بطريقة أو أخري في كتاباتهم واهتدى بعض المفكرين والمؤرخين المحاصرين بالفكرة نفسها، أمثال فرانسيس فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، فرانسيس دينق في كتابه “صراع الروي” وهي فكرة مازلت تصطاد وحدة السودان ليومنا هذا، أيضا كتبنا عن “سياسة التمييز الإثني في السودان” وهي قضية أدت لانفصال جنوب السودان ومازالت تهدد استمرارية الدولة السودانية ككيان موحد في ظل التطورات المتلاحقة في البلاد.

الفكرة الأساس في هذا الموضوع “حوار الحضارات” هي وجود قناعة لدي المنظمة الدولية بأن هناك فرصة لإيجاد صياغة بديلة مايحدث الآن في عالمنا المعاصر ويمكن لمثل هذه القضايا أن تتعاظم في غياب الحوار والقبول بالآخر فليس أمامنا خيار آخر غير ذلك.
ولكن من الضروري أيضا أن نشخص القضايا التي يضيق فيها الحوار مثل قضية حرية الاعتقاد الديني، قضايا التنوع العرقي والإثني، قضايا الاختلاف الجغرافي خاصة بين قطبي العالم الشمالي والجنوبي، قضية النوع والمساواة بين الجنسين الرجل والمراة، قضايا الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على قيام الطبقات داخل المجتمعات وتيسير الفرص لبعض الناس للتملك من عدمه، هيمنة الأغنياء علي الفقراء وكثير من هذه القضايا الملحة التي دائما تكون مصدر أساس لنزاعات وحروبات داخل المجتمعات وفي العالم، وسرعان ما تنعكس نتائج هذه النزاعات على الأبرياء الذين لا تمت بهم صلة بالأمر إطلاقا، وأحيانا تأتي خلاصات هذه المصادمات العنيفة محملة ضد أمة باجمعها أو طائفة أو فئة أو ديانة دون فرز.
ذهب بعض المفكرين لربط هذه الصدامات بطوائف دينية أو عرقية في كثير من الأحيان.
ومن الامثلة المجسدة لهذه الظاهرة، ظاهرة عدم وجود رغبة في الحوار من الساسة والقادة هو المقولة الشهيرة المنسوبة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أثناء حرب العراق حيث قال” إما تكون معنا أو ضدنا”، مثل هذا التصنيف لا يعطي مساحة للحوار، بل تصدّ الابواب في الوجه الآخر و تضع العالم برمتها علي كفتين لا ثالثهما اما “معنا او ضدنا” ويعتقد أيضا بان مثل هذا الأسلوب يشجع الصدام ويستبعد الحوار وربما يولد تكتلات وتحالفات تنتهي بحروبات مدمرة ليس لها نهاية أو دراية متي تنتهي.

في الرابع عشرة من يونيو 2023 قامت رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع الأمم المتحدة بتنظيم مؤتمر لحوار الحضارات بنيويورك تحت شعار “حوار التعدد الأديان والثقافات من أجل بناء جسور التواصل بين الشرق والغرب” ويعتبر هذا الموتمر الأول من نوعه حيث حضره الأكاديميون والمفكرون وناشطو المجتمع المدني ومدافعون عن الحقوق والحريات أعلاه من رجالات الدين من الأطياف المختلفة وكافة الطوائف الدينية في العالم.
راودني القلق لعدم وجود الفهم والتعريف الدقيق بمصطلحي الشرق والغرب رغم الاعتقاد الذي يقودنا الي ان الشرق هو اسيا وتمتد الي مصر والسودان والمغرب العربي بافريقيا نسبة لصلتها بالعروبة والاسلام، اما الغرب فهو اروبا واستراليا وشمال امريكا التي تضم الولايات المتحدة وكندا، لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بالقوة هو أين بقية العالم التي لا يشملها هذا التعريف من هذا الحوار؟
إذا جزمنا علي أن هذا التقسيم هو تقسيم أيدولوجي يضع الحضارتين الشرقية والغربية في تنافس وربما يؤدي الي التصادم فاين بقية العالم خاصة امريكا الجنوبية وبقية الدول الأفريقية باستثناء دول المغرب العربي التي تنتمي الي الكيان العربي؟ وأين إسرائل التي توجد بالشرق الأوسط وليست جزءا من الشرق حسب هذا التعريف المبهم من هذه المعادلة الغامضة؟
لابد من وجود تعريف واضح للشرق والغرب حتي يتسني للجميع فرصة مخاطبة القضايا والخروج بخلاصات تعالج المشكلة وإلا سيدور الحوار في الحلقة المفرغة.

لابد أيضا لمثل هذه المنابرأان تتطرق للقضايا المسكوت عنها، مثل الإثراء بأسلوب الغش وتداعياته علي الفقراء و الاضطهاد الذي تتعرض لها بعض المجتمعات في الحقبة الاستعمارية دون الاعتذار عن هذه الجريمة التاريخية، محاولة لجعل زواج نفس الجنس شرط للاعانات للدول الفقيرة رغم مخالفتها لأعراف ومعتقدات هذه البلدان، محاولة فرض النظام السياسي الواحد علي العالم بإثره خاصة الديمقراطية الليبرالية التي يريد الغرب فرضها على الدول الأخري، قضية الصراع علي قيادة العالم وبمنطق القوة وليس التعاون والقبول الذي نعيش تداعياته في كثير من مناطق العالم، قضية حرية الاختيار والانضمام الي تجمعات وتكتلات دون إكراه التي أدت لنشوب الحرب في اوكرانيا، قضية الانبعاثات الغازية الحرارية وأثرها علي الدول النامية والقائمة طويلة وكل هذه القضايا يجب أن تطرح للحوار حتي تجد الحلول لها.

أيضا تراودني المخاوف بأن يكون هذا الحوار “حوار الطرشان” وخاصة من جانب الغرب لكثير من الأسباب نسرد بعضها:

أولا؛ الأمم المتحدة نفسها غير قادرة علي إدارة مثل هذا الحوار بالتكافؤ لأن الغرب يسيطر علي أجهزتها الفاعلة خاصة مجلس الامن وعضويته الدائمة التي تتكون من خمسة أعضاء، ثلاثه منهم من الغرب ولذلك دون الاصلاح في هذه المنظمة الدولية لا نرجو كثيرا منها.

ثانيا؛ الغرب يمتلك الإعلام الذي يجعله يسوق أقوي أزمة من خلال افكاره حيث يجد ضحاياها انفسهم يرقصون معهم علي نفس الانغام وشهدنا ذلك في تصورها لتقديم الدعم لاوكرانيا في حربها ضد روسيا كعمل ثوري ووطني عكس الذين يريدون مساعدة روسيا، حيث يتم تخوينهم وربط عملهم هذا بالبربرية والوحشية.

ثالثا؛ الهيمنة الاقتصادية التي تجعل الغرب سيد العالم وامساكه بكل المبادرات وقيادة المؤسسات الدولية التي تهيمن علي الاقتصاد الدولي مثل البنك والصندوق الدوليين. وشهدنا كذلك تاثيره الواضح علي المحكمة الجنائية الدولية والمؤسسات العدلية والحقوقية التي تجرم وتحاسب فقط قيادات العالم الثالث.

ختاما نتمني أن لا تكون فكرة هذا الحوار الانصهار في البوتقة الواحدة واستبعاد فكرة قبول الاخر وهو المبدأ الذي اقره احد منظمي الموتمر الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي الامين العام لرابطة العالم الاسلامي في خطابه أثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

د/ ضيو مطوك / باحث في مجال بناء السلام وفض النزاعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *