
أخيرا، وبعد إهمال إستمر لعدة عقود ، أختتمت القمة الأفريقية الامريكية أعمالها فى العاصمة واشنطن ، ومن خلال متابعتنا للقمم السابقة نستطيع القول بأن هذه القمة جسدت (القلق والذعر الأمريكي) المتعاظم ، وتلاشت (الجذرة والعصا) وحل محلها( الإغراء والإستجداء) .
* للوهلة الأولى تشعر بأن هذه القمة لم تكن مدرجة فى جدول أعمال الإدارة الأمريكية ولم يكن مخطط لها إنما جاءت على عجل كردة فعل للقمة الصينية الناجحة الأخيرة ، ومحاولة لقطع الطريق امامها والحد من أثرها وتأثيرها.
* عند إجراء مقارنة بين قمم الصين وامريكا الافريقيتين العربيتين الأخرتين ، سيتضح الفارق الكبير والتفوق الصيني من حيث الدعم والمساعدات والشراكات والإستثمارات والإتفاقيات والتعاون….. الخ ، وذلك خلال الفترة التى سبقت القمم ، وهذا يثبت تفوق الإستراتيجية الصينية القائمة على ( بناء الشراكات والتنمية المستدامة للشعوب مع الإلتزام الصارم بعدم التدخل فى شئونها وإحترام سيادتها) مع فشل الإستراتيجية الأمريكية القائمة على( قانون النمو والفرص المعروف اختصارا ب ” أغوا” مصحوب بسياسة الجذرة والعصا المعهودة ومجربة ، علما بان هذا القانون معمول به فى التعاون التجارى مع افريقيا منذ صدوره فى 2000 وينتهي العمل به فى 2025م، وأثبت فشله خلال تلك الفترة التى شهدت تربع الصين على عرش التجارة الدولية فى إفريقيا ، حيث بلغ الإستثمار الصيني المباشر فى افريقيا ضعف المعدل الإمريكي، وأصبحت بكين أكبر مقرض لافريقيا.
* بحضور حوالي 50 زعيم ورئيس إفريقى ، حضروا (عقلهم مع الصين تقديرا وإحتراما وقلبهم مع إمريكا رآفة وإشفاقاً) فالهدف الرئيسي من وراء القمة الاعتذار غير المباشر عن فترة الغياب والإهمال والتعالي، ومحاولة بناء شراكة في ميادين الاقتصاد وبما يؤدي الى استعادة الثقة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
* الزعماء الافارقة الذين شاركوا فى القمة ، مؤكد انتم حضروا وفى مخيلتهم فترة الإهمال والغياب الأمريكى ، الإهتمام الحضور الصين، الروسي التركى، الذين اهتموا بالقارة السوداء منذ عقود، وكانت الدول الأكثر مساهمة في تأسيس بناها التحتية وتقديم القروض والمساعدات المالية، وتوفير المهارات اللازمة في شتى المجالات.
* القمة الصينية الإفريقية ، التى سبقت العربية الأخيرة والاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الصيني تشي جين بينع في (الرياض)، وحضوره ثلاث قمم عربية، واحدة ثنائية سعودية صينية، والثانية صينية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة عربية صينية،
هذه القمم، وبالنظر الى أكثر من 100 مليار دولار من الصفقات التجارية والمشاريع المشتركة مع الصين، عجلت وسارعت بضرورة عقد قمة ” طارئة” إفريقية الامريكية – وصف طارئة من عندنا ، بسبب عدم جدولتها مسبقاٌ، ولإعتقدنا ان الغطرسة والغرور الأمريكى حال دون وصفها بالطارئة .
* كذلك أعتقد من دواعى هذه القمة “الطارئة”هو رفض معظم قادة القارة الافريقية الطلب الأمريكي بإدانة اجتياح القوات الروسية للأراضي الاوكرانية، فأمريكا خسرت تأييد معظم دول إفريقيا وكذلك الشرق الأوسط، مثلما خسرت معظم دول الخليج،
* أيضا ، كذلك خسائرها فى المخزون الاستراتيجي للثروة النفطية والغازية، وآلاف المليارات من الدولارات من الأرصدة والصناديق السيادية المالية ، فكان لابد من الهرولة الى افريقيا في محاولة لتعويض هذه الخسائر كليا او جزئيا.
* نشير فى إطار الإهمال الأمريكى والإستخفاف بأفريقيا ، ان بلغت قيمة التبادل التجاري بين الصين والقارة الافريقية عام 2021 حوالي 261 مليار دولار، لم يزد حجم نظيره الأمريكي عن 64 مليار دولار، وبما يمثل 1.1 بالمئة من حجم التجارة الامريكية مع العالم.
وحين يرصد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” 55 مليار دولار من المساعدات للقارة الافريقية كلها على مدى ثلاث سنوات، أي ما يوازي ما قدمه لاوكرانيا في تسعة أشهر (60 مليار دولار) وهناك دفعة مساعدات أقرها الكونغرس لكييف بحوالي 40 مليارا، والعداد مستمر في العدّ.
* ماذا تستفيد شعوب افريقيا من مقعد لإتحادها فى مجلس الأمن والذى (صُمم خصيصا للبصم والتصويت لأمريكا)، او كون منَ عليه “بايدن” بعضوية ضمن مجموعته العشرين؟؟ * ماذا ستستفيد شعوب افريقيا من وعد (مالى شحيح) خلال ثلاث اعوام ، وعلى “شُحه”
فلن يتم الوفاء به كالعادة لان “بايدن” مُقيد بضوابط وحلقات ودوائر ديمقراطية وتشريعية قد تقلل او ترفض ،
* اسلوب التعاطي الأمريكي مع القارة الافريقية ينطوي على الكثير من التعالي والغطرسة، فقبل القمة بيومين وزير الدفاع الأمريكى وبكل “غطرسة وغرور ” يحذر ويمنع دولا إفريقية ذات سيادة من ابرام اتقاقبات مع الصين وروسيا ، كما ان الدعوات التي جرى توجيهها الى القادة الافارقة الخمسين لم تكن لائقة، وكانت بمثابة “استجلاب” لهم الى العاصمة الامريكية، وكان الأحرى بالرئيس بايدن اذا كان مهتما بهؤلاء وجادا فعلا في نواياه، ان يذهب اليهم في عقر دارهم، مثلما اضطر للذهاب خانعا الى الرياض طالبا الصفح، ولكنه لم يفعل ولن يفعل .
* الرئيس السنغالي “ماكي سال” رئيس الاتحاد الافريقي رسم صورة دقيقة لهذا التعالي والاهمال الامريكي للقارة عندما قال في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” وبكل أدب ودبلوماسية “عندما نتحدث للامريكان لا يستمعون الينا، فأمريكا لا تلتزم بتعهداتها والقارة الافريقية لا تحظى بما تستحقه من الاحترام الأمريكي للأسف”، وما لم يقله الرئيس”ماكي” ان الرئيس بوتين احتفى بالقادة الافارقة في منتجع سوتشي واكرم وفادتهم، اما الرئيس الصيني فأكرمهم وقدم لهم مساعدات فورية بأكثر من 60 مليار دولار لدعم التنمية في القارة عند لقاءه بهم مطلع هذا العام ، وعلى النقيض تماما (بابدن امريكا) ، إستجداء بغباء ودون حياء.
((خلاصة القول ومنتهاه:))
* هذا التذّكر المفاجئ للقارة الافريقية من قبل الرئيس بايدن ، يعكس بداية “جديدة” لمراجعات سياسية واستراتيجية أمريكية “متأخرة” ، ولكن للأسف ذلك وفق “التصورات والعقلية الأمريكية القديمة”
* أبرز عناوين هذا التذكير هو، “الخوف والذعر” من وجود منافسين أقوياء في بكين وموسكو سحبوا البساط من تحت اقدام واشنطن، ووضعوا حجر الأساس لنظام عالمي متعدد القوى، وان احتكار امريكا لعرش العالم بدأ يتأكل بشكل متسارع.