المقالات

لقاء قحت والعسكر.. بداية لا نهاية. بقلم: علي مالك عثمان

كما كان متوقعاً، فقد أحدث اللقاء الذي جمع بين المكون العسكري و قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت، النسخة الأصلية)، في بيت السفير السعودي بضاحية كافوري، والذي جاء استجابة لطلب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، أحدث هذا اللقاء ضجة هائلة في الأسافير، وخرجت قِوىٰ كثيرة، خائفة ومشفقة مما يمكن أن ينتج عن هذا اللقاء، نظراً لتجربة الشراكة المريرة مع العسكر خلال الفترة الماضية، وإشفاقاً على خط الثورة من التشرذم والانشقاقات والضياع.

الخوف من توابع هذا اللقاء مفهوم، والقلق والتوجُّس منه مبرران، لكن نقول لكل الناقدين والخائفين والمشفقين والسالقين قحت بألسنةٍ حداد أنْ على رِسْلِكم، وتبينوا قبل أن تصيبوا قوماً بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. وذلك لأنَّ:

*أولاً*: العسكر كانوا يراهنون على عدم حدوث هذا اللقاء، وذلك لأنهم كانوا يُقدِّرون أن قحت تخشىٰ ارتداد مثل كهذا لقاء على صورتها في الشارع، وأن قحت إذا لم تأت لهذا اللقاء فإن ذلك سيكون لهم معذرةً عند الأمريكي، وإعفاءاً لهم من كل مسؤولية في تعقيد الأمور وإيصالها لطريق مسدود.

*ثانياً*: على كل القِوىٰ الثورية في الشارع أن تتحلىٰ بالواقعية والتواضع، لأنه في تقديري من أفشل الإنقلاب حقيقة هو الأمريكي، وذلك بمنعِهِ لدول إقليمية في المنطقة من دعم الانقلابيين بمساعدات مالية، كانت ضرورية لهم لتسيير البلد في المرحلة التي تلت انقلابهم، وأيضاً من خلال التلويح الجاد والحقيقي بعقوبات ستطال هؤلاء العسكر إن هم استمروا في عرقلة التحوّل الديمقراطي في البلد، مما فرض على هؤلاء العسكر أن يتحسسوا رؤوسهم قبل التمادي في أي خطوات اضافية في انقلابهم. هذان هما في تقديري السببان الحقيقيان اللذان أفشلا الإنقلاب، وذلك لأنه إذا قُـدِّر للأوضاع الإقتصادية والأمنية أن تتحسن عقب الإنقلاب، وإذا أَمِنَ العسكر عواقب انقلابهم، ولم يكن هناك ما يخشوْن منه، فأعتقد أن هؤلاء العسكر كانوا سيمضون حتى النهاية في انقلابهم، غير آبهين ولا عابئين بحراك الثوار والشباب في الشارع، ولو استمر لسنوات قادمة.

*ثالثاً*: وفد قحت الذي إلتقى العسكر قال في مؤتمرٍ صحفيٍّ عقَدَه بالأمس، عقب اللقاء، أنهم لا يمثلون كل شارع الثورة، وأنهم متمسِّكون بإنهاء الإنقلاب، وأنهم سيقومون بإعداد مسودة تشمل كل الخطوات التي يروْنها ضرورية لإنهاء الإنقلاب، وسيقدمونها للآلية الثلاثية لتكون مطلوبات على العسكر تنفيذها، وأنه لا شراكة أخرى مع العسكر، ولا عودة لما قبل ال ٢٥ من أكتوبر، ولا حِيادَ عن الحكم المدني الكامل وتسليم السلطة الكاملة للمدنيين. بهذه اللاءات والشروط التي وضعها هذا الوفد في هذا اللقاء، لا أعتقد بوجود ما يدعو للخوف والقلق. فقط يجب التمسك بهذه الشروط تحت كل الظروف وفي كل الأوقات، وعدم التزحزح عنها قيد أنملة، وأنه متى ما رأوا من العسكر محاولات مراوغة وخداع وتملُّص – وهذا متوقَّع جداً – فأبواب الشارع مفتوحة، وطرق العودة لإستئناف العمل الثوري سالكة.

*رابعاً*: أتفق مع ما ذكره الرفيق ياسر عرمان في مؤتمر الأمس، والذي أشار لضرورة عدم خسارة الدعم الأمريكي المُؤيِّد للثورة في هذه المرحلة على الأقل، لأن خسارة هذا الدعم سيكون بمثابة قوة دفعٍ كبيرة للعسكر، لأن الأقليم عندها سينحاز بكُـلِّيته لهم هو الآخر، وعندها ستصبح عملية اسقاط الإنقلاب أكثر صعوبة.

*خامساً*: ليقل لنا دعاة رفض اللقاء ما هي البدائل والخيارات المتاحة أمامهم لِنقْل العمل الثوري لمرحلة الإسقاط العملي والنهائي للإنقلاب؟! لأن الحراك السلمي في الشارع وحده أثبت أنه يستنزف الانقلابيين، ويشلُّ حركتهم في السيطرة على البلد، والتحكُّمَ بإدارتها، لكنه غير كافي لتوجيه الضربة القاضية التي تُسقِط الانقلاب، وأنه يُـبْـقِي الأوضاع على حالة الاستاتيكو الحالية، وهي حالة مضرة جداً بالثورة إذا طالت واستطالت.

*سادساً وختاماً*: تبقىٰ الكلمة النهائية، والقول الفصل، لأيِّ ترتيبات سياسية، ولأيِّ مسار يمكن أن تأخذه الأحداث، لهذا الشعب السوداني العظيم، ولقِوىٰ شبابه وكنداكته الحيَّة والمتوهجة في الشوارع، وأن هذا الشعبَ لقادرٌ على تصويب اتجاه البوصلة متى ما رأى أنها حادت عن جادة الصواب، وانحرفت عن تحقيق تطلعاته وشعارات ثورته، وأنه الآن يراقب بأعين مفتوحة وواعية لما يجري. كما أن مسار الأحداث في تقديري لازال في بداياته، وأن العبرة بالخواتيم، لذا لِنَتريثَ ونراقبَ، ولا داعي للتعجُّل في إطلاق المواقف والأحكام.. والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *