صمود في لهيب الحرب: كيف حافظت القوات المسلحة والنظامية على شريان الحياة الصحي بالخرطوم (أبريل 2023 – يناير 2025)

إعداد _ دكتور محمد إبراهيم عبد الرحمن
رئيس لجنة الطوارئ الصحية، وزارة الصحة ولاية الخرطوم
أبريل 2023 – يناير 2025
دكتور سهيل عبد القادر البشري
مدير الطب العلاجي ونائب رئيس اللجنة
يهدف هذا التقييم الشامل إلى التعمق في الدور الحاسم والمُبتكر الذي لعبته القوات المسلحة والقوات النظامية في دعم النظام الصحي بولاية الخرطوم خلال “حرب الكرامة” الممتدة من أبريل 2023 إلى يناير 2025. تُبرز هذه التجربة الفريدة نموذجًا استثنائيًا للتآزر المدني العسكري في أوقات الأزمات الكبرى، مسلطة الضوء على الشراكات الاستباقية، والدعم اللوجستي غير المحدود، والقيادة الحكيمة التي ساهمت بشكل مباشر في صمود القطاع الصحي وتحقيق إنجازات فاقت التوقعات في الحفاظ على أرواح المواطنين وتخفيف المعاناة الإنسانية الهائلة. تتناول هذه الورقة التحديات الجسيمة التي واجهت القطاع الصحي وكيف تم التغلب عليها بفضل هذا الدعم المتكامل.
■1. شراكة استباقية: مذكرة تفاهم ترسم خارطة طريق للصمود الصحي
في ديسمبر 2022، وفي خطوة استشرافية تعكس وعيًا مبكرًا بأهمية تأهب القطاع الصحي لأي طارئ، وُقِّعت مذكرة تفاهم بالغة الأهمية بين وزارة الصحة بولاية الخرطوم ومنظومة الصناعات الدفاعية. لم تكن هذه المذكرة مجرد اتفاق روتيني، بل كانت بمثابة خارطة طريق شاملة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الصحية وتنميتها في مختلف المجالات، وتشكيل تجربة غير مسبوقة تهدف إلى إرساء نظام صحي أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة للأزمات المستقبلية. هذه الشراكة الاستراتيجية، التي سبقت اندلاع النزاع بمدة وجيزة، وفرت إطارًا للتعاون المستقبلي ومكنت من استجابة أولية سريعة.
لقد تضمنت هذه الشراكة الاستراتيجية عدة مبادرات حيوية، تم تنفيذ بعضها بفاعلية وكفاءة قبل اندلاع الحرب، مما خفف بشكل كبير من وطأة الصدمة الأولية على القطاع الصحي ومكنه من الصمود في الأيام الأولى للنزاع:
1.1. تأهيل قسم الطوارئ والإصابات في مستشفى بحري التعليمي: لم يقتصر هذا التأهيل على إعادة هيكلة وتجديد القسم فحسب، بل شمل أيضًا التبرع بجهاز أشعة مقطعية حديث ومتطور. هذا الإجراء عزز بشكل جذري القدرات التشخيصية والعلاجية للمستشفى، مما أهله بشكل أفضل للتعامل مع تدفق حالات الطوارئ والإصابات الحرجة التي عادة ما تتزايد بشكل كبير ومفاجئ في أوقات النزاعات المسلحة.
1.2. تأهيل قسم الطوارئ والإصابات في مستشفى أم درمان التعليمي: على غرار مستشفى بحري، ساهم هذا التأهيل الشامل في رفع جاهزية المستشفى لاستقبال حالات الطوارئ والإصابات بفاعلية أكبر، مما وفر ملاذًا حيويًا للمصابين في منطقة ذات كثافة سكانية عالية وتوقع ارتفاع أعداد المصابين.
ومع اندلاع “حرب الكرامة” بشكل مفاجئ وواسع النطاق، تأثرت العديد من المشاريع الحيوية الأخرى التي كانت ضمن خطة المذكرة، وتأخر تنفيذها بسبب الظروف القتالية، على الرغم من أن إنجازها كان سيعزز بشكل كبير قدرة النظام الصحي على الصمود واستمرارية الخدمات:
1.3. توفير عربات خدمة للمستشفيات: كانت هذه العربات ستسهل بشكل كبير حركة الموظفين، ونقل المعدات، وتوصيل الإمدادات داخل وخارج المستشفيات في ظل ظروف النزاع الصعبة وقيود الحركة.
1.4. إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية المتضررة: كان هذا المشروع سيساهم في استعادة القدرة التشغيلية للمنشآت الصحية المتضررة بسرعة أكبر، مما يقلل من الضغط على المستشفيات العاملة.
1.5. توفير المتحركات اللازمة للعمليات الطبية: يشمل ذلك سيارات الإسعاف المجهزة تجهيزًا كاملاً، والتي تعتبر حيوية لسرعة نقل الجرحى والمرضى.
1.6. إنشاء محرقة للنفايات الطبية: لضمان بيئة صحية آمنة في المستشفيات ومنع انتشار العدوى والأمراض المرتبطة بالنفايات الطبية غير المعالجة، وهي مشكلة تتفاقم في أوقات الأزمات.
*1.7. توصيل الصرف الصحي المركزي لعدد من المستشفيات: لتحسين البنية التحتية الأساسية والصحية وضمان ظروف صحية أفضل للمرضى والعاملين على المدى الطويل.
1.8. إنشاء مراكز تشخيصية متطورة في المحليات السبع: لتعزيز القدرات التشخيصية على نطاق أوسع وتقليل الضغط على المستشفيات الكبرى، مما يساهم في توزيع الخدمات بشكل أكثر فعالية.
1.9. إقامة الأجنحة الخاصة الاستثمارية في عدد من المستشفيات: لتنويع مصادر الدخل وتحسين جودة الخدمات، وهو ما كان سيوفر استدامة مالية للقطاع الصحي في مواجهة الأعباء المتزايدة.
1.10. توفير الغازات الطبية اللازمة لغرف العمليات والعناية المركزة: وهي ضرورية للحفاظ على حياة المرضى الذين يحتاجون إلى دعم تنفسي أو يخضعون لعمليات جراحية معقدة.
1.11. توفير الأثاث الطبي والمكتبي اللازم للمنشآت الصحية: لتهيئة بيئة عمل مناسبة وفعالة للطواقم الطبية والإدارية، مما يؤثر على معنوياتهم وقدرتهم على العمل.
1.12. توفير الأدوية والمستهلكات والأجهزة الطبية والصيدلانية عبر صندوق الدواء الدائري: لضمان استمرارية الإمداد الدوائي الحيوي، وهو شريان الحياة للمرضى، خاصة في ظل انقطاع سلاسل الإمداد التقليدية.
■2. التحديات الجسيمة التي واجهت النظام الصحي خلال “حرب الكرامة”
في خضم أهوال “حرب الكرامة”، واجه قطاع الصحة بولاية الخرطوم سلسلة من التحديات الجسيمة وغير المسبوقة، التي هددت بانهيار كامل للخدمات الصحية. هذه التحديات تضمنت:
2.1. الضرر المادي المباشر للمنشآت الصحية: تعرض عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية للقصف المباشر أو لأضرار جسيمة نتيجة الاشتباكات العسكرية، مما أخرجها عن الخدمة كليًا أو جزئيًا. شمل ذلك تدمير المباني، البنية التحتية، والمعدات الطبية الحيوية.
2.2. نقص حاد في الكوادر الطبية: أدت النزاعات المسلحة إلى نزوح جماعي للكوادر الطبية، سواء بالفرار من مناطق الاشتباكات أو بالهجرة خارج البلاد بحثًا عن الأمان. هذا النقص الحاد في الأطباء والممرضين والفنيين وضع ضغطًا هائلاً على الأطقم المتبقية.
2.3. انهيار سلاسل الإمداد اللوجستي: تعطلت الطرق الرئيسية، وأغلقت المستودعات المركزية، وصارت حركة نقل الأدوية والمعدات الطبية والإمدادات الغذائية شبه مستحيلة في كثير من الأحيان. هذا أدى إلى نقص شديد في الأدوية المنقذة للحياة، والمستلزمات الجراحية، والوقود لتشغيل المولدات.
2.4. انقطاع الخدمات الأساسية: عانت ولاية الخرطوم من انقطاع شبه كامل للكهرباء والمياه وشبكات الاتصال، وهي خدمات أساسية لتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية. هذا أجبر المستشفيات على الاعتماد الكلي على المولدات والبحث عن مصادر بديلة للمياه، مما أرهق ميزانياتها وقدراتها التشغيلية.
2.5. التهديدات الأمنية المباشرة: تعرضت المستشفيات والطواقم الطبية للتهديدات الأمنية المباشرة، بما في ذلك الهجمات، النهب، واستهداف سيارات الإسعاف، مما أثر على قدرة الكوادر على الوصول إلى المستشفيات وتقديم الرعاية.
2.6. تزايد أعداد المصابين والأمراض: أدت الاشتباكات إلى تزايد كبير في أعداد المصابين والجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية طارئة. كما تسببت ظروف النزوح والتكدس وضعف الصرف الصحي في انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، مما زاد العبء على النظام الصحي المنهك.
2.7. الضغوط النفسية على الكوادر الطبية: عملت الكوادر الطبية تحت ضغط نفسي هائل، حيث شهدوا معاناة غير مسبوقة، وعملوا لساعات طويلة في ظروف خطرة، مما أثر على صحتهم النفسية وقدرتهم على الاستمرار.
■3. دور القوات المسلحة والقوات النظامية في زمن الحرب: العمود الفقري وشريان الحياة
بعد اندلاع “حرب الكرامة” مباشرة، تحولت هذه الشراكة الاستراتيجية إلى ضرورة ملحة وغير قابلة للتأجيل. أصبحت القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى هي العمود الفقري الذي اعتمدت عليه وزارة الصحة في ولاية الخرطوم لمواصلة تقديم الخدمات الصحية الحيوية. لقد تجاوز دورهم الوظائف التقليدية في زمن الحرب، ليصبحوا شريان الحياة للنظام الصحي في ظل ظروف بالغة التعقيد والخطورة، مقدمين نموذجًا فريدًا للتفاني والتكامل.
من أبرز وأهم أوجه الدعم الذي قدمته هذه القوات، والذي يعكس تفانيًا فريدًا في خدمة المجتمع:
3.1. توفير الخدمات الصحية المباشرة وتوصيل الإمداد الطبي والغذائي:
3.1.1. الخدمات الصحية المباشرة: قامت القوات المسلحة بتقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر في بعض المواقع الحساسة، خاصة في المناطق التي يصعب على الفرق الطبية المدنية الوصول إليها بسبب الاشتباكات العنيفة أو المخاطر الأمنية المرتفعة. هذا التدخل المباشر من خلال الفرق الطبية العسكرية والمستشفيات الميدانية أنقذ أرواحًا لا تحصى وقدم الإسعافات الأولية الضرورية.
3.1.2. توصيل الإمداد الحيوي: لعبوا دورًا حاسمًا ومبتكرًا في توصيل الإمداد الطبي والغذائي إلى المناطق البعيدة ومناطق الاشتباكات، مستخدمين طرقًا خاصة بهم ومسارات آمنة تم تأمينها عسكريًا. هذا النهج اللوجستي الفعال قلل من زمن التوصيل إلى أقل من 24 ساعة من استلام العهدة، وهو إنجاز حيوي في ظل الظروف القاسية التي فرضتها الحرب على المستشفيات والمراكز الصحية العاملة في المحليات السبع. هذا الاختصار الكبير في الوقت كان له تأثير مباشر على توافر الأدوية والمستلزمات الطبية في الوقت المناسب، ومنع نفاذ المخزون الحيوي.
3.2. توفير الإمداد المائي والوقود: ضمان استمرارية الخدمات الأساسية للحياة:
3.2.1. تأمين المياه: في ظل الانقطاع الواسع لخدمات المياه الأساسية الذي طال معظم مناطق الولاية، قامت القوات المسلحة بتوفير الإمداد المائي الحيوي لعدد من المستشفيات الحيوية مثل التركي بساير جبل أولياء، جبيل الطينة، وبست كير الخاص. بالإضافة إلى ذلك، وفروا المياه للمراكز الصحية القريبة من الوحدات العسكرية مثل الشجرة، الكلاكلة القلعة، الكلاكلة القبة، الرميلة، أورتشي، وبروقريس الخاص. هذا الدعم كان ضروريًا للعمليات اليومية، النظافة، والتعقيم، وخدمة المرضى والعاملين.
3.2.2. تأمين الوقود: كما وفرت القوات المسلحة الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية، خاصة البعيدة والمتاخمة للمقرات العسكرية، مما ضمن استمرارية تشغيل المولدات الكهربائية والمعدات الطبية الحيوية (مثل أجهزة غسيل الكلى، أجهزة العناية المركزة، وغرف العمليات) في ظل الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي. هذا الإمداد بالوقود كان حجر الزاوية للحفاظ على استمرارية الرعاية الحرجة ومنع توقف الخدمات الحياتية.
3.3. تأمين نقل الأدوية براً وجواً: خطوط إمداد لا تتوقف وسط الفوضى:
3.3.1. النقل البري المنتظم: قبل تدنيس مدينة مدني من قبل المليشيات المتمردة، قامت القوات المسلحة بتوفير عربات نقل الأدوية من المخزن الرئيسي في مدني إلى باقي محليات الخرطوم بصورة دورية ومنظمة. هذا التنظيم الدقيق للنقل البري حافظ على تدفق الإمدادات الدوائية الأساسية للمرضى ومنع نقصها الحاد في الأيام الأولى للحرب.
3.3.2. النقل الجوي الاستراتيجي: في خطوة حيوية لضمان استمرارية الإمداد بعد تعطل الطرق البرية، تم نقل الأدوية والمستهلكات الصيدلانية واللقاحات الخاصة بوزارة الصحة من بورتسودان إلى كرري بالطيران العسكري. هذا النقل الجوي السريع والآمن كان له دور محوري في تلبية الاحتياجات العاجلة للمستشفيات، خاصة فيما يتعلق باللقاحات التي تتطلب ظروف تخزين خاصة وسلسلة تبريد دقيقة للحفاظ على فعاليتها، مما منع تفشي الأمراض الوبائية التي يمكن أن تكون مدمرة في أوقات النزاعات.
3.4. توفير المخازن وحراسة المؤسسات الصحية: حماية الأصول الحيوية من النهب والتلف:
3.4.1. تأمين المخزون الطبي: بعد تطهير المناطق المختلفة من الولاية، قامت القوات المسلحة بتوفير عدد من المخازن الآمنة والمحصنة لحفظ الأدوية والمستهلكات والأجهزة الطبية، مما حمى المخزون الحيوي من التلف أو النهب في بيئة النزاع الفوضوية. هذا الإجراء الاستباقي كان ضروريًا للحفاظ على ما تبقى من إمدادات.
3.4.2. حراسة المنشآت الصحية: اضطلعت القوات المسلحة بمسؤولية حراسة المؤسسات الصحية في المناطق المحررة، حيث تولى بعض أفرادها حمل السلاح لحماية المنشآت من أي اعتداء أو محاولة نهب، بينما قام آخرون بتقديم الرعاية للجرحى في تلك المناطق، مما يعكس التزامهم الشامل بدعم القطاع الصحي على جميع المستويات الأمنية والطبية.
3.5. تأمين خروج الكوادر الطبية من مناطق الاشتباكات: الحفاظ على رأس المال البشري للقطاع الصحي:
3.5.1. عمليات الإجلاء المعقدة والخطيرة: في ظل الظروف بالغة الخطورة، قامت القوات المسلحة بمهام حيوية وخطيرة لتأمين إخلاء الكوادر الطبية من المستشفيات والمناطق التي كانت تحت نيران الاشتباكات المباشرة. هذه العمليات المعقدة، مثل تلك التي شهدتها مستشفيات جبل أولياء، جبيل الطينة، وود أبوصالح، كانت حاسمة للحفاظ على أرواح الأطقم الطبية وحمايتهم من أخطار الحرب التي قد تصل إلى الاستهداف المباشر. هذا الإجلاء المُنظّم مكن الكوادر الطبية من الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية في مناطق أكثر أمانًا أو بعد إعادة تأهيل المستشفيات، مما يعكس التزامًا عميقًا بسلامة الكوادر الصحية كأصول لا تقدر بثمن في أي نظام صحي.
■4. الدعم القيادي المتواصل من رئيس مجلس السيادة ومساعده: حافز للصمود غير المسبوق
شكل الدعم المتواصل والاهتمام المباشر من رئيس مجلس السيادة ومساعده عنصرًا حاسمًا ومحوريًا في صمود النظام الصحي بولاية الخرطوم. لم يقتصر هذا الدعم على التوجيهات العامة، بل امتد إلى الدعم المادي المباشر وتسيير العمليات الحيوية، مما جسد التزامًا قياديًا غير مسبوق بالقطاع الصحي وتفهمًا عميقًا لأهميته في استقرار المجتمع.
4.1. دعم عدد من المستشفيات بالأجهزة والمعدات الحيوية: تم توفير أجهزة ومعدات طبية ضرورية لعدد من المستشفيات، مما ساهم بشكل مباشر في تحسين قدرتها على تقديم الخدمات الطبية المعقدة والمنقذة للحياة في ظل النقص الحاد في الإمكانيات الناجم عن الحرب وتدمير جزء كبير من البنية التحتية الطبية.
4.2. دعم تسيير مستشفيات حيوية: ضمان استمرارية الرعاية الأساسية والمتخصصة: تم تقديم دعم مستمر وكبير لتسيير عمل مستشفيات محورية، مما ضمن استمراريتها في تقديم الخدمات الأساسية والمتخصصة التي لا يمكن الاستغناء عنها:
4.2.1. مستشفى النو التعليمي: الذي يقدم خدمات طبية أساسية وشاملة للمجتمع، ويعتبر مركزًا حيويًا للرعاية الأولية والثانوية في منطقة مكتظة بالسكان.
4.2.2. مستشفى البلك للأطفال الجديد: الذي يعد ملاذًا حيويًا للأطفال الذين يحتاجون رعاية طبية متخصصة وحرجة، في ظل تزايد الحاجة إلى رعاية الأطفال في أوقات النزاع ونقص التغذية الذي قد يؤدي إلى سوء التغذية والأمراض.
4.2.3. مستشفى أم درمان للولادة: الذي يضمن استمرارية خدمات الأمومة والطفولة في ظروف الحرب القاسية، وهو أمر حيوي للحفاظ على صحة الأمهات والمواليد وتقليل وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة التي عادة ما ترتفع في ظروف كهذه.
4.3. دعم تسيير مراكز غسيل الكلى العاملة: إنقاذ آلاف الأرواح من كارثة محققة: في ظل الظروف الصعبة وانقطاع الخدمات، كان ضمان استمرارية عمل مراكز غسيل الكلى أمرًا حيويًا لإنقاذ حياة آلاف المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي المزمن، والذين لا يستطيعون العيش بدون هذه الخدمة. لذلك، تم دعم تسيير المراكز الـ 14 العاملة بشكل مباشر لضمان وصول المرضى إلى جلسات الغسيل المنتظمة، مما منع كارثة صحية واسعة النطاق كان من الممكن أن تودي بحياة الآلاف في وقت قصير جدًا.
4.4. إسناد الوزارة بعدد 15 عربة إسعاف من نوع لاندكروزر: تعزيز القدرة على الاستجابة السريعة والفعالة: شكل توفير هذا العدد الكبير من سيارات الإسعاف القوية والمتينة (لاندكروزر) دفعة هائلة لقدرة وزارة الصحة على نقل المرضى والجرحى بسرعة وأمان، خاصة في المناطق الوعرة أو التي تشهد اشتباكات، حيث كانت الطرق غير ممهدة أو خطرة. هذه السيارات كانت حيوية لإنقاذ الأرواح من خلال الوصول السريع إلى المصابين وإجلائهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج الفوري، وبالتالي تقليل نسبة الوفيات الناجمة عن تأخر الوصول إلى الرعاية الطبية.
4.5. الدعم المتواصل بالمواد الغذائية: ركيزة أساسية للصمود والبقاء: تم تقديم دعم غذائي مستمر لـ 34 مستشفى عاملة خلال تلك الفترة، يشمل المواد الغذائية المختلفة للمرضى والكوادر الطبية. تم الإشراف على هذا الدعم بشكل مباشر من مكتب مساعد رئيس مجلس السيادة، مما ضمن توفير التغذية الأساسية للمرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من حالات صحية حرجة، وللأطقم الطبية التي تعمل تحت ظروف قاسية لساعات طويلة. هذا الدعم ساهم في استقرار حالتهم وتعزيز قدرتهم على العمل ومواصلة تقديم الخدمات.
■5. الشرطة والأمن والاحتياطي المركزي: شركاء أساسيون في دعم النظام الصحي
إلى جانب القوات المسلحة، لعبت القوات النظامية الأخرى، مثل الشرطة، الأمن، والاحتياطي المركزي، أدوارًا لا تقل أهمية وحيوية في دعم النظام الصحي خلال حرب الكرامة. فضلًا عن مهامهم الأساسية في حفظ الأمن والنظام، انخرطت هذه القوات في مهام لوجستية وإنسانية حيوية، أثبتت تكامل أدوارها مع القوات المسلحة والقطاع الصحي في مواجهة الأزمة.
5.1. تأمين حركة الكوادر الطبية والإمدادات: عملت الشرطة والأمن على تأمين حركة سيارات الإسعاف، وحماية قوافل الإمدادات الطبية الحيوية، وتأمين تنقل الكوادر الطبية في المناطق الخطرة التي تشهد اشتباكات أو تهديدات أمنية. هذا الدور الأمني الحاسم سمح بوصول المساعدات والرعاية إلى من يحتاجونها دون التعرض للخطر، وضمن سلامة الأطقم الطبية، مما شجعهم على الاستمرار في عملهم.
5.2. المساهمة في حفظ النظام داخل المستشفيات: في ظل الفوضى والضغط الهائل الذي قد تسببه الحرب، ساعدت الشرطة بفاعلية في حفظ النظام داخل المستشفيات والمراكز الصحية، وتنظيم دخول المرضى والزوار، ومنع التكدس أو أي أعمال شغب. هذا التنظيم وفر بيئة عمل أكثر أمانًا وفعالية للطواقم الطبية التي تعمل تحت ضغط هائل، وقلل من الفوضى المحتملة التي قد تعيق تقديم الرعاية.
5.3. توفير المعلومات الأمنية للمستشفيات: ساعدت الأجهزة الأمنية في توفير المعلومات الأمنية الضرورية للمستشفيات بشكل استباقي ومستمر، بما في ذلك التنبؤ بمناطق الاشتباكات المحتملة أو المناطق الآمنة. هذا مكن المستشفيات من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية مرضاها وكوادرها في المناطق المعرضة للقصف أو الاشتباكات، وبالتالي تقليل المخاطر المحتملة على الأرواح والممتلكات، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الإجلاء أو تغيير المسارات.
5.4. الإجلاء والمساعدة الإنسانية: شاركت الشرطة والأمن بفعالية في عمليات إجلاء المرضى والجرحى من مناطق الاشتباكات، وقدمت المساعدة الإنسانية في توزيع المساعدات الأساسية للمتضررين، مثل المياه والغذاء والمأوى المؤقت. هذا الدور الإنساني خفف بشكل كبير من المعاناة الإنسانية التي خلفها النزاع على المدنيين العزل.
■6. تأثير الدعم والإسناد على المؤشرات الصحية: تقييم شامل وعمق الأثر.
كان للدعم المتكامل والمنسق من القوات المسلحة والقوات النظامية والقيادة العليا تأثير ملموس وغير قابل للإنكار على المؤشرات الصحية، مما يعكس صمودًا ملحوظًا للنظام الصحي في ظل ظروف الحرب المدمرة. على الرغم من صعوبة جمع بيانات دقيقة وموثوقة في بيئة النزاع المعقدة، فإن المؤشرات الأولية والتقديرات تشير بوضوح إلى النتائج الإيجابية والمدهشة التالية التي ساهمت في إنقاذ حياة الآلاف:
6.1. انخفاض معدلات الوفيات التي كان يمكن تجنبها: تطبيق مبدأ “الساعة الذهبية” بفاعلية:
6.1.1. بفضل سرعة الاستجابة غير المسبوقة في نقل الجرحى، وتأمين الإمدادات الحيوية للمستشفيات، وتوفر الأدوية الضرورية في الوقت المناسب، تم تقليل عدد الوفيات التي كان يمكن أن تحدث نتيجة عدم الحصول على الرعاية الفورية.
6.1.2. إن توفير 15 سيارة إسعاف من نوع لاندكروزر، وهي مركبات قوية ومناسبة للظروف الصعبة، كان له تأثير هائل في سرعة إجلاء المصابين من مناطق الاشتباكات الأكثر خطورة، مما رفع من فرص نجاتهم بشكل ملحوظ. هذا يعكس التطبيق الفعلي والمُثمر لمبدأ “الساعة الذهبية” في طب الطوارئ، حيث يزداد احتمال البقاء على قيد الحياة للمصابين بشكل كبير كلما تم تقديم الرعاية الطبية لهم بشكل أسرع. هذا الإنجاز يعكس التنسيق الفعال بين الفرق الطبية وعناصر النقل العسكري والأمني.
6.2. استمرارية برامج التطعيم الأساسية: حماية الأجيال من خطر الأوبئة المدمرة:
6.2.1. إن نقل اللقاحات من بورتسودان إلى كرري بالطيران العسكري لم يكن مجرد عملية لوجستية بسيطة، بل كان ضمانًا حيويًا لاستمرار برامج التطعيم الروتينية للأطفال في ظل ظروف الحرب. هذا الإجراء الاستباقي حمى أجيالًا كاملة من خطر الأمراض المعدية التي عادة ما تتفشى بشكل كارثي في أوقات الحروب والنزاعات نتيجة لضعف البنية التحتية الصحية وتدهور الظروف المعيشية ونزوح السكان. هذا يمنع تفشي الأوبئة التي قد تكون مدمرة في ظل ضعف البنية التحتية الصحية القائمة، ويوفر حماية طويلة الأمد للأطفال الأكثر ضعفاً.
6.3. الحد من انتشار الأوبئة والأمراض المزمنة: صمام أمان صحي حيوي للمجتمع:
6.3.1. بفضل الدعم اللوجستي في توفير المياه النظيفة والوقود للمستشفيات، وربما المساعدة في حملات التوعية الصحية الطارئة، تم الحفاظ على مستوى نسبي من النظافة والتعقيم داخل المنشآت الصحية وخارجها في بعض المناطق. هذا ساهم بشكل مباشر في الحد من انتشار الأمراض المنقولة بالمياه (مثل الكوليرا) أو الأمراض الوبائية الأخرى التي تنتشر بسرعة في ظروف النزوح والتكدس وضعف البنية التحتية.
6.3.2. الأهم من ذلك، كان ضمان استمرارية غسيل الكلى لـ 14 مركزًا عاملاً له تأثير مباشر وحاسم على حياة آلاف المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي المزمن. هذا الدعم منع كارثة صحية حقيقية كانت ستحصد أرواح الآلاف في وقت قصير جدًا، وساهم في استقرار معدلات الوفيات المرتبطة بالفشل الكلوي المزمن، مما يعكس فعالية الدعم المقدم في الحفاظ على الخدمات الحيوية والمنقذة للحياة.
6.4. تحسين القدرة التشغيلية للمستشفيات: الحفاظ على الحد الأدنى الحيوي من الرعاية:
6.4.1. إن تزويد مستشفيات حيوية مثل النو التعليمي، البلك للأطفال الجديد، وأم درمان للولادة بالأجهزة والمعدات الضرورية، والدعم المالي واللوجستي لتسييرها، ساهم بشكل مباشر في رفع قدرتها الاستيعابية والتشغيلية في ظل ظروف الحرب.
6.4.2. بالتالي، تحسنت المؤشرات المتعلقة برعاية الأمومة والطفولة والرعاية التخصصية بشكل ملحوظ مقارنة بما كان يمكن أن يكون عليه الوضع. هذا يعكس القدرة على الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الصحية الأساسية التي لا غنى عنها، وهو أمر بالغ الأهمية في سياقات النزاع حيث يكون الانهيار الكامل للخدمات الصحية هو السيناريو الأكثر شيوعًا ودمارًا.
■7. تقييم التجربة: دروس مستفادة وتوصيات مستقبلية للبناء على الصمود
تُقدم هذه التجربة السودانية خلال “حرب الكرامة” نموذجًا فريدًا وغير مسبوق للتعاون المدني العسكري في أوقات الأزمات، والذي يستحق الدراسة والتحليل العميق للاستفادة منه في المستقبل. يمكن استخلاص الدروس القيمة التالية لتشكيل استراتيجيات الاستجابة للأزمات المستقبلية، ليس فقط في السودان، بل في مناطق النزاع الأخرى حول العالم التي قد تواجه تحديات مماثلة:
7.1. الأهمية الحاسمة للشراكات الاستباقية: وضع الأساس قبل العاصفة أمر لا غنى عنه:
7.1.1. تُعدّ مذكرة التفاهم التي وُقعت قبل الحرب خطوة استباقية حكيمة للغاية ومثالًا يُحتذى به. هذه الشراكات لا تضع فقط الأسس للتعاون الفعال عندما تشتد الأزمات، بل تضمن وجود آليات عمل جاهزة وقنوات اتصال مفتوحة وواضحة بين القطاعات المختلفة (المدني والعسكري). إنها تبني الثقة المتبادلة وتفهم الأدوار والمسؤوليات قبل أن تصبح الحاجة ملحة وتصبح الظروف أكثر تعقيدًا.
7.1.2. التوصية: يجب تعزيز هذه الشراكات في أوقات السلم بشكل استراتيجي، ووضع خطط طوارئ مفصلة ومُحدّثة باستمرار تشمل الأدوار والمسؤوليات الواضحة لجميع الأطراف المعنية في القطاعين المدني والعسكري. يجب أن تتضمن هذه الخطط تدريبات مشتركة دورية ومحاكاة شاملة للأزمات لضمان التنسيق الفعال والجاهزية القصوى لجميع الأطراف.
7.2. مرونة القوات المسلحة والقوات النظامية: قدرة على التكيف تتجاوز المهام التقليدية المحددة:
7.2.1. أظهرت هذه القوات قدرة عالية على التكيف وتجاوز المهام التقليدية الموكلة إليها في أوقات الحرب، لتقدم دعمًا لوجستيًا وطبيًا مباشرًا وغير مباشر. هذا يؤكد على الأهمية القصوى لتدريب هذه القوات على أدوار متعددة في إدارة الأزمات الإنسانية، وليس فقط العمليات العسكرية البحتة. يجب أن يكونوا مستعدين للتحول إلى أدوار إغاثية ولوجستية وطبية عند الحاجة.
7.2.2. التوصية: يجب تضمين تدريب مكثف على الاستجابة الإنسانية وإدارة الكوارث في المناهج التدريبية للقوات المسلحة والقوات النظامية. يجب أن يركز هذا التدريب على النقل اللوجستي الآمن والفعال، وتأمين الإمدادات، وتقديم المساعدة الطبية الأولية في مناطق النزاع، فضلاً عن دعم الفرق الطبية المدنية في مناطق التوتر وحماية القوافل الإنسانية والطبية.
7.3. الدور الحاسم للقيادة العليا: الالتزام السياسي يدفع عجلة الإنقاذ ويزيل العقبات:
7.3.1. كان الدعم المباشر والملتزم من القيادة العليا في البلاد عاملًا محفزًا وممكّنًا لتخصيص الموارد الحيوية وتذليل العقبات البيروقراطية والإدارية أمام جهود الإغاثة الصحية. هذا الالتزام يعكس فهمًا عميقًا لأهمية القطاع الصحي في الحفاظ على استقرار المجتمع وقدرته على الصمود حتى في أوقات الحرب المدمرة.
7.3.2. التوصية: يجب أن يكون هناك التزام سياسي رفيع المستوى وواضح ومستمر لدعم القطاع الصحي في أوقات الأزمات، على أن يكون هذا الدعم أولوية قصوى. ينبغي أن يشمل ذلك تخصيص الموارد الكافية بشكل عاجل، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية لتسريع الاستجابة الفعالة، وضمان عدم وجود عوائق إدارية أو مالية أمام وصول المساعدات الضرورية.
7.4. تحديات قياس المؤشرات: الحاجة إلى أنظمة رصد وتقييم قوية في الطوارئ:
7.4.1. على الرغم من الإنجازات المذهلة التي تحققت، فإن ظروف الحرب تجعل من الصعب جمع بيانات دقيقة وموثوقة للمؤشرات الصحية وتقييم الأثر بشكل كامل وشامل. هذا يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير آليات لجمع البيانات في حالات الطوارئ لتقييم التأثير بشكل أكثر دقة وتحديد الاحتياجات بشكل أفضل وأكثر استهدافًا للمستقبل.
7.4.2. التوصية: يجب تطوير أنظمة رصد وتقييم قوية وموحدة لجمع البيانات الصحية في حالات الطوارئ. ينبغي أن تستخدم هذه الأنظمة أدوات وتقنيات تكنولوجية حديثة لضمان الدقة والسرعة (مثل جمع البيانات عبر الأجهزة المحمولة، والمنصات الرقمية، ونظم المعلومات الجغرافية التي تحدد المواقع الجغرافية للمنشآت والمستفيدين)، مما يمكن من تقييم الأثر بشكل علمي، وتوجيه الموارد بفاعلية أكبر، وتطوير استراتيجيات استجابة أكثر فعالية في المستقبل، وكذلك لتوثيق التجارب الإنسانية.
■8. الخاتمة: قصة صمود تستحق التكريم والبناء عليها
في الختام، وعلى الرغم من الدمار والخسائر الفادحة التي خلفتها “حرب الكرامة” في ولاية الخرطوم، فإن قصة صمود النظام الصحي، بفضل الدعم والإسناد غير المسبوق من القوات المسلحة والقوات النظامية والدعم القيادي، هي شهادة خالدة على قوة التكافل والتضحية والقدرة على الابتكار في أصعب الظروف. لقد كان لهذا الدعم تأثير مباشر وإيجابي عميق على المؤشرات الصحية، حيث ساهم بشكل فعال في إنقاذ الأرواح، والحفاظ على الخدمات الأساسية، والتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية على السكان الذين عانوا الأمرين. إنها تجربة فريدة ومعقدة تستحق أن تُدرس بعمق وتفصيل لتكون خارطة طريق للتعامل مع الأزمات المماثلة في المستقبل، ولتسليط الضوء على الإمكانيات الكامنة في التعاون متعدد الأطراف لتحقيق الصمود الإنساني حتى في أحلك الظروف. هذه التجربة تترك لنا درسًا لا يُنسى حول أهمية التكاتف الوطني والتخطيط الاستباقي في وجه التحديات الكبرى.









