الأخبار

للحقيقة لسان.. رحمة عبد المنعم يكتب : مبارك الفاضل… مرّةً أخرى!

كتب رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، مبارك الفاضل، أمس السبت، ما يشبه شهادةً مبتورةً في دفتر حربٍ لا تزال صفحاته تُكتب بالدم، فاتهم قادةً في الجيش بأنهم أطلقوا الرصاصة الأولى، تحت “أوامر إسلامية”، ثم ختم حديثه بدعوةٍ لتشكيل لجنة دولية وتحويل من سمّاهم “الجناة” إلى المحكمة الجنائية، بدا الرجل، كعادته، يتحدث من شرفةٍ فوق التاريخ، ومن زاويةٍ لا ترى إلا ما يخدم وجهة النظر التي وصل بها متأخراً إلى ساحة الحرب.

لكن، وقفةً بسيطةً أمام الوقائع تكفي لتفنيد روايته،فمن الذي بدأ الحرب فعلاً؟ هل الجيش، الذي كان يُفاوض تحت رعاية دولية، ويمارس أعلى درجات ضبط النفس إزاء سلوك المليشيا الإجرامية داخل الخرطوم؟ أم قوات الدعم السريع، التي احتلّت المدينة الرياضية، وهاجمت المطار، ومباني الإذاعة والتلفزيون، والمنازل، وسيرت قواتها إلى مطار مروي بالولاية الشمالية قبل فجر يوم 15 أبريل؟ أيُّ عقلٍ يقبل أن تكون القوات المسلحة قد افتعلت حرباً في قلب عاصمتها، بينما كانت تحت تهديد الخيانة من داخل ثكناتها؟،،،

ثم إن حديث مبارك الفاضل عن “قادة إسلاميين” و”أوامر من الحركة الإسلامية” ليس سوى إعادة إنتاجٍ بائسٍ لرواياتٍ متهافتة ظل يرددها إعلام المليشيا، وكأنّنا في مسرحيةٍ قديمةٍ يُعاد عرضها على مسرحٍ مهدَّم، فمن هم هؤلاء القادة؟ وهل يُعقل أن جيشًا يخوض حرب المدن منذ أكثر من عامين، بدم أبنائه، وبتفويض شعبيّ عريض، يُقاد من خلف ستار أيديولوجي قديم؟ أم أن مبارك الفاضل يرفض ببساطة الاعتراف بأن ما يحدث هو تمردٌ مسلح واضح، واجهه الجيش بوصفه جيشاً، لا لجنةً تنظيميةً لحزب؟،،،

السؤال الأهم..لماذا هذا الكلام الآن؟ ولماذا يتذكر الفاضل فجأةً تفاصيل الساعات الأولى للحرب، بعد زيارته الأخيرة للإمارات؟ أهي صدفة؟ أم أن موقع المتفرج لم يعُد يرضيه، فقرر أن يدخل المشهد من بوابة الاتهام، حتى لو كان الثمن تكرار أكاذيب أعداء الوطن؟،،،

إن ما يكتبه مبارك الفاضل لم يعُد يعكس رأياً شخصياً بقدر ما يُترجم ما تمليه عليه الدولة التي وجد فيها ضالّته السياسية والمالية، دولة الإمارات، التي لا تُخفي دعمها للمليشيا،للرجل سجل طويل في المواقف الرمادية والانحناءات الحادة، من تحريضه لقُصف مصنع الشفاء، إلى تصريحه قبل أسابيع بأن إسرائيل “قد تكون” وراء ضربات بورتسودان بالمسيرات الاستراتيجية، فقط لأن “هناك إيرانيين”، على حد زعمه، إلى سيل من التصريحات المرتبكة التي لا تسندها وثيقة ولا يصمد خلفها منطق..
مشكلة مبارك الفاضل ليست مع الحرب، بل مع موقعه منها، الرجل الذي أضاع بوصلته منذ سنوات، يبدو اليوم مشغولًا بإعادة تظهير نفسه كشاهدٍ “محايد” من على مسافة آمنة، لكنه، وهو يفعل ذلك، ينسى أن التاريخ لا يترك للحياد متسعاً حين تكون البلاد بين نارين..

ولأنه لم يكن في يومٍ من الأيام مهووساً بالوطن بقدر ما كان مغرماً بلعبة التوقيت، اختار أن يتحدث الآن، لا حين دُمّرت المستشفيات، ولا حين أُحرقت القرى، ولا حين سُحلت الأسر في معسكرات التهجير،إن من يكتب بهذه الخفة عن دماء سالت، ويقترح محاكمة جيشه لا من حمل السلاح ضدّه، لا يستحق الرد بشتيمة، بل بسؤال واحد،من الذي علّمك أن الطعن في ظهور الجيوش، طريقٌ مختصرٌ إلى المنصّات الدولية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *