منوعات

جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا تُكرم صاحب (عُشرة الأيام)

الخرطوم ـــ عزة برس

المسؤولية المجتمعية من المصطلحات التي يكثُر استخدامها في تعريف الأعمال التي تقوم بها بعض الجهات والمنظومات، خارج إطار مهامها الأساسية، ضمن فلسفة مجتمعية من أجل خدمة المجتمع، والإسهام الفاعل في ترقيته وتطويره. ولما كانت الجامعات تؤطر فلسفتها في ثلاث مهام وظيفية للجامعة، الأولى: التدريس (Teaching) والثانية: البحث (Research) والثالثة: المسؤولية المجتمعية (Social Responsibility). فالمسؤولية الاجتماعية أو المجتمعية للجامعات، أصبحت تتردد بصورة منتظمة في أروقة الجامعات، وتتصدر مؤتمراتها ومنتدياتها، وتعمل جاهدة على مأسسة برامج المسؤولية المجتمعية في أنماط مبتكرة غير تقليدية للجامعة.
وتعكف الجامعة هذه الإيام لإصدار كتاب توثيقي، يروي سيرتها الأولى، ومسيرتها وتاريخها وأحداثها، منذ نشأتها في الرابع من مايو 1996 إلى يوم الناس هذا. في إطار احتفالاتها باليوبيل الفضي هذا العام.
ونورد هنا، جانباً مختصراً من سيرتها ومسارها، حيثُ نستعرض جوانب من تكريمها للشاعر اللواء (م) عوض أحمد خليفة، صاحب (عُشرة الأيام)، والذي كان قد تم تكريمه،
في إطار المسؤولية المجتمية لجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، وتشجيعاً لأهل الثقافة والفنون والإبداع ، حيثُ درجت الجامعة، على تكريم الرموز الوطنية والشخصيات البارزة، والمبدعين في مجالات الإبداع المختلفة، ولذلكم كرمت الجامعة الشاعر اللواء (م) عوض أحمد خليفة في ديسمبر 2012، ضمن احتفالات الجامعة بتخريج عدد من طلابها وطالباتها آنذاك. وكان لهذا التكريم الجامعي للشاعر عوض أحمد خليفة، صاحب (عُشرة الأيام) تأثيراً خاصاً عليه، ووقعاً طيباً على نفسه وأهليه. وفي تكريمه قصة إنسانية، ذهب إليه في منزله بأم درمان، الأستاذ إمام محمد إمام الصحافي والأستاذ بكلية الإعلام في الجامعة، ليفيده بقرار الجامعة الخاص بتكريمه، في حضور زوجته الأستاذة خديجة أحمد كافي، وأخذ موافقته، وإخطاره بترتيبات حفل تكريمه في الجامعة مع زميله في الإبداع الأستاذ حمدنا الله عبد القادر الكاتب المسرحي المعروف، فأخذته العَبرة، فبكى فرحاً جذلاً بهذا التكريم. وقال لإمام: “بلغ عنى البروفسور مأمون حُميدة، أنني أكاد أطير فرحاً، من أن جامعته ذات السمعة الأكاديمية العالية داخل السودان وخارجه، تكرمني، وأخي حمدنا الله عبد القادر تقديراً منه، وعرفاناً من جامعته، لإسهامنا في خارطة الثقافة والفنون والإبداع السودانية، فهو تكريمٌ من عالمٍ جليلٍ، بلغ شأواً عظيماً في عالم الطِبابة، ودنيا الريادة، لا يُمكن رده إلا بردٍ جميلٍ، هو القبول والشكر والعرفان، لمأمونٍ وجامعته الفتية. وهكذا تم تكريم أحد عمالقة الشعر الغنائي في السودان.
وُلد عوض أحمد خليفة، واسمه الأصلي العوض وداعة الله أحمد خليفة، في حي الموردة بمدينة أم درمان بالسودان في 21 يناير 1931 .
دخل الخلوة في صباه ليتعلم مبادئ الكتابة وحفظ آيات القرآن ثم التحق بالمدارس النظامية ودرس في مدارس الكُتّاب الأولية، والوسطى بأم درمان، فمدرسة الأحفاد الثانوية. وبعد اجتيازه امتحان شهادة كمبريدج عام 1949، التحق بكلية غوردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليا). ودرس فيها الأدب لمدة عامٍ واحدٍ. وفي فبراير 1950، التحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها بعد عامين برتبة ملازم ثانٍ، وكان الأول في دفعته في امتحانات الكلية الحربية، والتي ضمت أيضا الملازم ثاني جعفر محمد نميري (رئيس جمهورية السودان في الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985).
خدم عوض أحمد خليفة فور تخرجه من الكلية الحربية في القوات المسلحة السودانية، وتنقل في مختلف أقسامها، حيثُ عمل في سلاح الهجانة بالأبيض، وسلاح الإشارة في الخرطوم بحري، والقيادة الجنوبية في جوبا، وتدرج في مناصبها العسكرية حتى بلغ رتبة اليوزباشي (نقيب حالياً). وفي عام 1959 ، تم تجريده من رتبته وفصله من الخدمة العسكرية بعد اتهامه بالاشتراك في حركة انقلاب عسكري فاشل بقيادة البكباشي المتقاعد يعقوب إسماعيل كُبيدة من سلاح الإشارة، والبكباشي علي حامد من مدرسة المشاة ضد حكومة الرئيس الفريق إبراهيم أحمد عبود، واللذين تم إعدامهما مع عددٍ آخرٍ من ضباطٍ شاركوا فيها.
عَمِل عوض أحمد خليفة بعد ذلك، ضابطاَ إدارياَ لمدة عامٍ واحدٍ، في مشروع الجزيرة الزراعي، ثم مفتشاَ للتعاون بوزارة التجارة والتعاون والتموين. وتدرج في مناصبها حتى وصل في عام 1969 ، إلى منصب مساعد مدير مصلحة التعاون، وفي تلك الفترة التحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم (جامعة النيلين حالياَ)، لينال درجة دبلوم الاقتصاد. وعندما استولى العقيد جعغر محمد نميري على السلطة في 25 مايو 1969، أعاد خليفة الذي كان زميله في الكلية الحربية إلى الخدمة العسكرية برتبة عميد. وعند عودته إلى الجيش، تندر بعض أصدقائه عليه، بأن أغنية (عُشرة الأيام) هي التي أعادته إلى الجيش!
ساهم خليفة في تطوير القوات المسلحة، حيثُ عهد إليه بإنشاء فرع التوجيه المعنوي، وإصدار جريدة “القوات المسلحة”، وتأسيس فرع الخدمات الاجتماعية، ومؤسسة قوات الشعب المسلحة التعاونية. كما أسهم في تأسيس إدارة الخدمة الوطنية وتنظيم هياكلها. وترقى في عام 1972 ، إلى رتبة اللواء وأصبح في العام نفسه نائبا لرئيس هيئة الأركان – إمداد – وفي عام 1974، ترك الخدمة العسكرية بعد أن تمت إحالته إلى التقاعد والتحق بوزارة المالية، حيثُ تم تعيينه مفوضاَ عاماَ للتنمية بدرجة نائب وزير، وبقي في المنصب حتى عام 1976 ، ليلتحق بعدها بمؤسسة دار “الأيام” ويصبح رئيس مجلس الإدارة ورئيس هيئة التحرير فيها، وذلك في الفترة من عام 1976 وحتى عام 1978 ، حيثُ كان يكتب عموداً راتباً في صحيفة “الأيام” اليومية بعنوان “شيءٌ من حتى”.
شهدت فترة الثمانينات توطيداً لرحلة الشاعر الإيمانية، فأعاد حفظ القرآن كما طفق يخدم وطنه السودان من منصة العمل الخاص خصوصاً، في مجال التنمية، فعمل وكيلاً لشركات عالمية لصناعة الجرارات الزراعية. وثقافياً أسس خليفة صحيفة “أخبار الصباح” وترأس تحريرها. وفي التسعينات من القرن الماضي، أمَّ خليفة المصلين في صلوات الفجر بمسجد السادة الأدارسة في حي الموردة بأم درمان. ونقلت الإذاعة السودانية شعائر الصلاة على الهواء مباشرة فسمعها السودانيون حول العالم.
عُرِفَ عنه إلى جانب مهنته العسكرية ونشاطه الأدبي، بأنه كان لاعب كرة قدمٍ في نادي الموردة الرياضي الذي تولى إدارته لاحقاَ، كما كان يهوى فن الغناء والموسيقى، ويُجيد العزف على آلة العود، وتلحين القصائد، فهو الذي قام بوضع ألحان كلمات قصيدته “شتات الماضي” التي أهداها للفنان عثمان حُسين.
ألف الشاعر عوض أحمد خليفة العديد من القصائد الشعرية التي تغنى بها كبار المطربين السودانيين، ولاقت نجاحاً كبيراً، وأهدى أولى أغنياته إلى صديقه عبد الكريم الكابلي “يا أغلى من عيني” التي كتبها في شقيقته نور، و”كيف يهون عندك خصامي؟!”، ومن بين مَن تغنوا له، إبراهيم عوض”غاية الآمال” و”عزيز دنياي” ، وعثمان حُسين، “خاطرك الغالي”، و”ربيع الدنيا”، وهذه أيضاً كتبها في شقيقته نور، و”عُشرة الأيام”، وتغنى له كذلك، عبد العزيز محمد داؤود “يا أغلى الحبابيب”، وأبوعركي البخيت “لو كنت ناكر للهوى”، وزيدان إبراهيم “كنوز محبة” و”في بُعدك يا غالي”.
ويعتبر عوض أحمد خليفة من شعراء التجديد في قصيدة الغناء السوداني، حيثُ تتميز كلماته بالرومانسية، وجزالة الصور التعبيرية، وسلاسة القافية، وبساطة التعبير مع عمق المعاني، فهو يقول في قصيدة يغنيها عبد الكريم الكابلي:
كيف يهون عندك خصامي
وترضي من عيني تغيب
وأنت بيك أسباب وجودي
وأنت أكثر من حبيب
شفت بيك الدنيا زاهية
وعشت فيك أملي الخصيب
إنت أحلى من الأماني
لما تغمرني وتعربد
وأحلى من طير الخمايل
لما تتمايل تغرد
وفي أغنية كتب كلماتها للفنان زيدان إبراهيم يقول:
من لمسات حنانك
خلاص تمينا دور
وأيام مُرة خالية
من طعم السرور
كل ما غنّى شادي
ذوبني الشعور
أقول يا ريت حبيبي
لو في الطيف يزور
ولكن من أشهر أغانية “غُشرة الأيام” التي تغنى بها الفنان عثمان حُسين، ووجدث قبولاً واسعاً:
عشرة الأيام ما بصح تنساها
كأنو ما حبيتك وكأنو ما عشناها
وضمانا أحلى غرام
ليه فجأة دون أسباب
من غير عتاب أو لوم
أخترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي ظلوم
هان ليك فراقي خلاص
وانا برضي حولك أحوم
كان عهدي بيك ترعاني
وأجمل صلاتنا تدوم
أمل المحبة سلام
بعدك أماني هواي
ياما جنيته عدم
ولا عرفت صديق
ما بصح تنساها
كأنو ما حبيتك..
وكأنو ما عشناها
وضمانا أحلى غرام
ليه تجفا دون أسباب
من غير عتاب.. أو لوم
أخترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي.. ظلوم
هان ليك فراقي خلاص
وانا برضي حولك أحوم
كان عهدي بيك ترعاهو
وأجمل صلاتنا تدوم
أمل المحبة سلام
بعدك أماني هواي
بعدك جنيتو عدم
ولا عرفت صديق
لي قلبي غير الهم
كم غيري يشدو سعيد
وأنا في هواك مغرم
وريني أيه ضراك
لو كان صبرت شويه
وأسلم من الأوهام
ما كان فراقنا المر
في نيتي.. أو في إيدي
لكن ظروفك أبت
وقست ظروفي علي
واتلاشت الأحلام
وين حسن ظنك بي؟
وريني أيه ضراك
لو كان صبرت شوية
عمر السنين أيام
شكّل الراحل عوض أحمد خليفة، منعطفاً بارزاً في مسيرة الأغنية السودانية. ويُعد عوض أحمد خليفة، الشاعر السوداني واحداً من أبرز شعراء الأغنية السودانية الحديثة، ألفّ كلمات العديد من الأغنيات التي لاقت نجاحاً كبيراً، وتعامل مع كبار المطربين السودانين. ولكل هذه الأسباب مجتمعة، قررت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا تكريمه، وهو يستحق التكريم
غيب الموت الذي هو علينا حقٌ، الشاعر عوض أحمد خليفة صباح يوم الخميس 25 أكتوبر 2019، ودُفن في مقابر حمد النيل بأم درمان.