المقالات

شيء للوطن.. م. صلاح غريبة يكتب : الهلال الأحمر السوداني: شعلة إنسانية في أتون الحرب

Ghariba2013@gmail.com

تحل علينا الذكرى السنوية لليوم العالمي لكتلة جمعيات الصليب والهلال الأحمر، وفي هذا العام، يكتسب هذا اليوم معنى أعمق وأكثر إلحاحًا، خاصة ونحن نشهد الدور البطولي والتضحيات الجسام التي يقدمها الهلال الأحمر السوداني في ظل الحرب المدمرة التي تمزق أوصال البلاد. لم يكن الهلال الأحمر السوداني يومًا مجرد منظمة إغاثية، بل كان ولا يزال شريان حياة للمجتمعات السودانية، وسندًا قويًا في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية. لكن دوره اليوم، في خضم النزاع المسلح، يرتقي إلى مرتبة البطولة الإنسانية الخالصة.
قبل أن تشتعل نيران الحرب، كان الهلال الأحمر السوداني حاضرًا بقوة في مجالات التنمية المجتمعية، وتقديم الإسعافات الأولية، والاستجابة للكوارث الفيضانية والجفاف التي كانت تضرب أجزاء مختلفة من البلاد. كان يعمل بصمت وتفانٍ على تعزيز الوعي الصحي، ودعم الفئات الأكثر ضعفًا، ومد يد العون للمحتاجين في صمت وإخلاص.
لكن مع اندلاع الحرب الأخيرة، وجد الهلال الأحمر السوداني نفسه في قلب العاصفة، يتحمل مسؤوليات مضاعفة وتحديات غير مسبوقة. تحولت مقراته ومستودعاته في كثير من الأحيان إلى ملاذات آمنة للنازحين والهاربين من جحيم القتال. أصبح متطوعوه، بشجاعة نادرة وتفانٍ لا يلين، هم خط الدفاع الأول في مواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
نشاهد جهودهم المضنية في إيصال الغذاء والدواء والمياه النظيفة إلى المناطق المنكوبة، متحدين المخاطر الأمنية وصعوبة الوصول. يقفون في الصفوف الأمامية لتقديم الإسعافات الأولية للمصابين والجرحى، غالبًا تحت أصوات الرصاص والقصف. يحتضنون الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى، ويقدمون لهم الدعم النفسي والمعنوي في لحظات الفقد والألم.
إن الدور الذي يلعبه الهلال الأحمر السوداني يتجاوز مجرد تقديم المساعدات المادية. إنه يمثل رمزًا للأمل والتضامن الإنساني في أحلك الظروف. إن وجود متطوعيه في الشوارع والمدن المدمرة، وهم يحملون شعار الهلال الأحمر، يبعث رسالة قوية مفادها أن الإنسانية لا تزال حاضرة، وأن هناك من يسعى جاهدًا لتخفيف المعاناة وتقديم العون.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه الهلال الأحمر السوداني هائلة. يتعرض متطوعوه في كثير من الأحيان للخطر، ويواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى المحتاجين بسبب القيود الأمنية وتدمير البنية التحتية. كما أن الموارد المتاحة غالبًا ما تكون غير كافية لتلبية حجم الاحتياجات المتزايدة.
في هذا اليوم العالمي، يجب علينا جميعًا أن نقف إجلالًا وتقديرًا للتضحيات الكبيرة التي يقدمها متطوعو الهلال الأحمر السوداني. يجب أن ندعو المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تقديم المزيد من الدعم والمساندة للهلال الأحمر السوداني، وتمكينه من القيام بدوره الحيوي في هذه الظروف الصعبة.
إن حماية العاملين في المجال الإنساني وتأمين وصولهم الآمن إلى جميع المحتاجين يجب أن يكون أولوية قصوى. كما يجب العمل على ضمان احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين والمرافق المدنية، بما في ذلك المستشفيات وعربات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر.
إن الدور البطولي الذي يضطلع به الهلال الأحمر السوداني في هذه الحرب يذكرنا بالقيم الأساسية التي تقوم عليها حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية: الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والخدمة التطوعية، والوحدة، والعالمية. هذه القيم هي التي تدفع هؤلاء المتطوعين الشجعان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل إنقاذ الآخرين وتخفيف آلامهم.
في الختام، نؤكد على أن الهلال الأحمر السوداني ليس مجرد منظمة إغاثية، بل هو ضمير الأمة في لحظة عصيبة. إنه تجسيد لقوة الروح الإنسانية وقدرتها على التغلب على أعتى الظروف. في هذا اليوم العالمي، دعونا نتذكر تضحياتهم، وندعم جهودهم، ونقف صفًا واحدًا معهم في مهمتهم النبيلة لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في السودان. إنهم بحق، شعلة إنسانية تضيء في أتون الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *