المقالات

شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب: سماء السودان الملتهبة: حين تصبح المسيرات شبحًا يهدد البنية التحتية وحياة المواطنين

Ghariba2013@gmail.com

تحت سماء السودان التي طالما شهدت تقلبات الأحداث، يضاف اليوم فصل جديد ومقلق إلى سجل التحديات التي تواجه البلاد. لم يعد التهديد قادمًا من الأرض وحدها، بل بات يزحف من الأجواء على هيئة أسراب من المسيرات، بعضها انتحاري يحمل الموت في جوفه، وبعضها استراتيجي يسعى لشلّ أوصال الدولة عبر تدمير بنيتها التحتية الحيوية. هذه الآلة الحربية الحديثة، التي يُفترض أن تكون أداة للتطور والمراقبة، تتحول في سياق الصراع السوداني إلى كابوس يقض مضاجع المواطنين ويهدد أسس الحياة الكريمة.
إن وتيرة الهجمات التي تشنها هذه المسيرات على البنية التحتية في السودان تتصاعد بشكل ينذر بالخطر. محطات توليد الكهرباء التي تضيء المنازل والمستشفيات، وشبكات المياه التي تروي المدن والقرى، والكباري التي تربط أرجاء البلاد، ومراكز الاتصالات التي تسهل التواصل بين الناس، والمطارات التي تنقل المواطنين، كلها أصبحت أهدافًا مشروعة في قاموس هذا الصراع العبثي. إن تدمير هذه المرافق الحيوية لا يقتصر أثره على تعطيل الخدمات اليومية الضرورية، بل يمتد ليشمل تدهور الأوضاع الصحية، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية، وزيادة حدة الأزمات الإنسانية التي يعاني منها السودان بالفعل.
المسيرات الانتحارية، أو ما يُعرف بـ”الذخائر المتسكعة”، تمثل تهديدًا مباشرًا وغير متوقع. قدرتها على التحليق لفترات طويلة واختيار اللحظة المناسبة للانقضاض على هدفها تجعل من الصعب للغاية التصدي لها. إنها أشبه بشبح يتربص بالبنية التحتية، ينتظر اللحظة المناسبة لتوجيه ضربته القاصمة. أما المسيرات الاستراتيجية، فهي وإن كانت أقل في عددها، إلا أنها تحمل قدرة تدميرية أكبر وتستهدف عادة مواقع ذات أهمية استراتيجية عالية بهدف إحداث شلل تام في قدرة الدولة على إدارة شؤونها وتلبية احتياجات مواطنيها.
إن الخطر الذي تمثله هذه المسيرات لا يقتصر على تدمير الممتلكات والبنية التحتية فحسب، بل يمتد ليطال أرواح المدنيين الأبرياء. ففي كثير من الأحيان، تقع هذه الهجمات في مناطق مأهولة بالسكان، مخلفة وراءها قتلى وجرحى، وزرعًا بذور الخوف والرعب في قلوب الناس. إن شعور المواطن السوداني بأنه مهدد في عقر داره، وأن السماء نفسها لم تعد آمنة، لهو أمر يبعث على القلق العميق ويتطلب تحركًا عاجلًا وحاسمًا.
إزاء هذا التحدي المتصاعد، يبرز السؤال الملح: كيف يمكن معالجة هذا الأمر وحماية البنية التحتية وحياة المواطنين من خطر المسيرات؟ لا شك أن الإجابة ليست سهلة أو وحيدة، بل تتطلب مقاربة شاملة ومتعددة الأوجه.
أولًا، يتعين على مليشيا الدعم السريع إدراك أن استهداف البنية التحتية المدنية يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية، ويجب عليها التوقف الفوري عن هذه الأعمال التخريبية التي لا تخدم سوى تأجيج الصراع وزيادة معاناة الشعب السوداني.
ثانيًا، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز قدرات الدفاع الجوي السوداني لمواجهة هذا التهديد المتنامي. يتطلب ذلك توفير أنظمة رادار متطورة قادرة على رصد وتتبع المسيرات، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي قادرة على اعتراضها وتدميرها قبل وصولها إلى أهدافها. إن الاستثمار في هذا المجال ليس مجرد ضرورة عسكرية، بل هو ضرورة لحماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم.
ثالثًا، يجب على المجتمع الدولي أن يضطلع بدوره في الضغط على مليشيا الدعم السريع لوقف استخدام المسيرات في استهداف البنية التحتية والمدنيين. يمكن للمنظمات الدولية والدول الإقليمية الفاعلة أن تلعب دورًا حاسمًا في فرض عقوبات على من يثبت تورطه في مثل هذه الأعمال، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للسودان لتعزيز قدراته الدفاعية.
رابعًا، لا يقتصر الحل على الجانب العسكري والأمني فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا جهودًا دبلوماسية وسياسية جادة لإنهاء الصراع الدائر في البلاد بشكل شامل ومستدام. إن غياب حل سياسي يغذي حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تستغلها الأطراف المختلفة لتنفيذ مثل هذه الهجمات.
خامسًا، على المستوى المحلي، يمكن اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية لتقليل الخسائر الناجمة عن هذه الهجمات. يشمل ذلك تطوير أنظمة إنذار مبكر فعالة لتحذير السكان قبل وقوع الهجمات، وتوعية المواطنين بكيفية التصرف في حال وقوع هجوم، بالإضافة إلى تعزيز قدرة فرق الإغاثة والدفاع المدني على الاستجابة السريعة والفعالة للأضرار الناجمة عن هذه الهجمات.
في الختام، إن معضلة المسيرات التي تنهال على البنية التحتية في السودان تمثل تهديدًا وجوديًا للدولة والمجتمع. إنها ليست مجرد خسائر مادية، بل هي ضربة لآمال الشعب السوداني في مستقبل أفضل. إن مواجهة هذا التحدي تتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات، من وقف فوري للهجمات، إلى تعزيز القدرات الدفاعية، مرورًا بالضغط الدولي، وصولًا إلى تحقيق حل سياسي شامل ينهي هذا الصراع المرير ويعيد للسودان أمنه واستقراره. إن سماء السودان يجب أن تعود لتكون مصدرًا الأمل لا للرعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *