
“الحضور الإعلامي في جوهره فن وتوقيت، والغياب عنه في اللحظة المناسبة أفضل من ألف تصريح في الوقت الخطأ”.. الكاتبة..!
القاعدة القانونية تقول إن السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر بياناً. وفي الإعلام يكون الغياب أحياناً من أبلغ أشكال الحضور. لكن يبدو أن كثيراً من إدارات الإعلام في مكاتب حكومات السودان المتعاقبة لا تدرك هذا، فتنشغل بحشو الفضاء بتصريحات التأكيد والإشادة والتوجيه، وكأنها تظن أن المواطن تقنعه أخبار الفبركة والمبالغة
عوضاً عن التعويل على أحداث واقعه المعيش..!
والحقيقة أن المواطن أذكى من أن ينطلي عليه التظاهر بالعمل من خلال الإعلام، فهو يعرف أن المسؤول الجاد يُرى أثره في الخبز والكهرباء والماء والصحة، لا في الصفحات الأولى. ويعرف أن التصريح ليس خبزاً، وأن الإشادة ليست دواء، وأن التوجيه – حين لا يترجم إلى فعل – لا يعدو أن يكون كذبة بيضاء يطلقها مكتب إعلام مشرئب دوماً لتغطية العجز واستلام الحوافز..!
معظم المسؤولين عن إعلام المكاتب الحكومية لا يرون أنفسهم مستشارين، بل طبالين، يظنون – وبعض الظن إثم – أن تكرار أخبار المسئولين الحكوميين في الصحف يعادل رصيداً من الإنجاز. بينما الحقيقة أن الإعلام هو – في جوهره – علم توقيت “متى ينبغي أن يظهر المسؤول، ومتى عليه أن يغيب،متى يرد، ومتى يترك الرد للزمن، وكيف يمكن لصمته أن يكون أبلغ من حديثه”..!
الصورة الذهنية للمسئولين لا تُبنى بالضوضاء، بل بالإيقاع المدروس. ولا تُشيد بالبيانات المتكررة، بل بالمواقف الفارقة. والإعلام الحقيقي ليس طبلاً، بل بوصلة..!
ومن لا يدرك أن غياب الصوت أحياناً أبلغ من حضوره، فهو لم يفهم بعد أن إدارة الصورة الذهنية عبر المواد الإعلامية هي أحد الفنون المهمة لنجاح إدارة المؤسسة نفسها!.
munaabuzaid2@gmail.com