المقالات

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب: في المقام والمقال..!

*الأزياء على الشاشة ليست حيادية أبداً،بل هَي إشارات اجتماعية، ورسائل ثقافية، وآراء مُعلَّقة قبل أن يُقال أي رأي”.. الكاتبة!*

الدكتور القاسم الظافر، الأمين العام للحركة الوطنية للبناء والتنمية، والمحلل السياسي والاقتصادي، من شباب الإسلاميين – وتلامذة الشيخ الدكتور حسن الترابي – المُجدِّدين والمُتَجدِّدين. وفضلاً عن كون الدكتور القاسم ضيفاً إعلامياً مألوفاً بالنسبة لي، فقد حاورته في برنامج الجهات الأربعة – الذي كنت أقوم بإعداده وتقديمه في نسخته الأولى على قناة الزرقاء – عدة مرات. لذا فإن تواصله البصري ولغة جسده أثناء الحوارات التلفزيونية ليستا جديدتين عليّ..!

ربما لهذا استوقفني ذلك التغيير الكبير الذي طرأ على لغة جسده وتواصله البصري في حلقة كان ضيفها للحوار، شاهدتها على إحدى القنوات قبل أيام . والسبب – في تقديري – لم يكن موضوع الحوار ولا طبيعة الأسئلة، بل كان المظهر العام الذي كانت تطل به مقدمة البرنامج..!

في تلك الحلقة، لم يكن الحوار تبادلاً للأسئلة والأجوبة فقط، بل كان مواجهة صامتة بين حضورين، وسَمتَين، وزيين، ورسالة مكتوبة بالقماش قبل أن تُكتب بالحروف..!

ضيف بخلفية إسلامية محافظة يجلس متحفظاً، أمام مذيعة ترتدي جاكيتاً ضيقاً كاد أن يعلن استقالة أزراره على الهواء مباشرة، وشعراً أشقر – أو لعله برتقالي اللون – منساباً على الأكتاف، ومكياجاً كثيفاً أكثر مما يحتمله سياق برنامج يُفترض فيه الجدية والوقار، وعلى قناة سودانية ..!

لغة الجسد عند الضيف لم تكن لغزاً، يدان مشبوكتان، عينان تتفاديان التواصل المباشر، ملامح جادة بلا ابتسامة. بدا دكتور القاسم وكأنه يضع بينه وبين مُحاورته ستاراً من الرسمية، بينما هي دخلت المشهد بمظهرٍ يصطدم بأعراف وتقاليد وأفكار الضيف أكثر مما يتحاور معه. فبدا وكأنه يحاور نفسه أكثر مما يحاورها. وكأن اللقاء كان بين “المظهر” و”المضمون” لا بين الضيف ومحاورته ..!

السؤال هنا ليس عن حرية المذيعة في اختيار ما ترتديه، فهذا شأن شخصي. بل عن معنى هذا الاختيار حين يتحول إلى جزء من خطاب البرنامج نفسه. هل يليق ببرنامج يستضيف شخصيات سودانية على وجه العموم، وذات خلفيات فكرية محافظة على وجه الخصوص، أن يظهر بإطلالة تتكلم أزرارها بلغة مغايرة لوقار النقاش؟. وهل تملك شاشة التلفزيون ترف أن تكون مرآة لذوق فردي، أم أنها مسؤولة عن مخاطبة ذائقة عامة تعرف حدودها وأعرافها..!

الإعلام في جوهره ليس عرض أزياء، بل صناعة معنى. وحين يعلو ضجيج الثوب على صوت الكلمة، تتشوش الرسالة. ليس لأن تطويع القماش خطيئة، بل لأن المبالغة في ترويضه أو استعراضه تسرق الانتباه من المضمون. الجمهور لا يريد أن ينشغل بقلق الأزرار وهو يسمع جواب الضيف، ولا أن يقرأ تفاصيل الوجه المصبوغ قبل أن يقرأ تأصيل الفكرة..!

على كل حال، المفارقة أن كل ما جرى لم يكن مقصوداً. المذيعة ربما ارتدت ما أحبت، لكنها لم تلتفت إلى أن الشاشة لا ترحم، وأن الكاميرا تضاعف وقع التفاصيل الصغيرة. فخرجت الحلقة كمناظرة غير مكتوبة بين حضورين وثقافتين وقناعتين ..!

ليست القضية في الحجاب أو الزي الساتر أو في الخروج عليه، بل في التوقيت والمقام والرسالة. الإعلاميون السودانيون الذين يظهرون عبر الشاشات، ليسوا متفرجين على ذوقهم الخاص، بل هم سفراء لذوقٍ سوداني عام يمثل شعباً كاملا. فهل يا ترى من مذكر!.

munaabuzaid2@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *