
كان يوم امس ٢١ سبتمبر ٢٠٢٥ يوما مشهودا بالنسبة لفلسطين وللفلسطينيين وللإنسانية ولكلّ الأمم المهمومة بمأساة الفلسطينيين. ففي هذا اليوم أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اعتراف بلاده رسمياً بفلسطين كدولة مستقلة لها حق التمثيل الدبلوماسي وما يترتب عليه مثل سائر الدول الأخرى المستقلة.
وبهذه الخطوة فقد قطع ستارمر مسار تأييد الحكومات السابقة للمذابح والعذابات والتهجير الذي امتد لأكثر من ثمانين عاماً ، بدأت بوعد وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، في 2 نوفمبر 1917، وعد من لا يملك إلى من لا يستحق أي اللورد ليونيل دي روتشيلد الاستعماري الداعم للاتحاد الصهيوني البريطاني.
وقد تبع اعتراف بريطانيا اعتراف كل من كندا وأستراليا ونيوزيلندا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا.
وهذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعد انتصاراً كبيراً للقضية الفلسطينية وفتحاً مبيناً، يندرج في مقولة الامام المهدي عليه الرضوان ، “المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن”، اذ انه من محنة غزة بزغت هذه المنحة. وبحول الله ستتحول ابادة غزة الى حياة كريمة للشعب الفلسطيني ولميزة ايجابية للدولة الفلسطينية وستكون بشرى وفأل لاهلنا في فلسطين. فلأول مرة منذ عام ١٩٤٨م تعترف اربع دول دائمة العضوية بالدولة الفلسطينية. ما يجعل قيام الدولة الفلسطينية مسالة وقت. فالشرعية الدولية إذا توحدت ضد الاحتلال فانها ستردعه وتحد من الصلف الإسرائيلي. ولا شك أن جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت برئاسة فرنسا والسعودية عكست استشعار الضمير العالمي لحجم المقاساة والمحارق والمعاناة التي يعيشها الإنسان الفلسطيني. وتبدى
ان العالم لم يعد يحتمل رؤية المقابر الجماعية والأكفان البيضاء والأحزان المضرجة بالدماء وبالدموع وأجساد الضحايا أو أشلاءهم .
ويتطلع المرء إلى مواقف أكثر وضوحا من الدول الغربية التي لم تعترف بعد بفلسطين بحيث تدرك ان مصالحها الاقتصادية هي مع العالم العربي والإسلامي وان القضية الفلسطينية ليست محصورة في غزة او في رام الله او في تهجير بعض السكان إلى دول الجوار، فهذه قضية مركزية للعرب مثلما هي قضية اساسية للمسلمين. وانها قضية تؤثر في استقرار المنطقة وفي أمن اوربا نفسها. ولهذا فان حل الدولتين يمثل مصلحة امنية للعرب . وينبغي تذكير دول مثل ايطاليا وألمانيا بأنه من المفارقات حل الدولتين تضمنه القرار الاممي رقم ١٨١ الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر ١٩٤٧م . وقد قضى هذا القرار بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وتم تمريره بموافقة 33 دولة ورفض 13، وامتناع عشر دول عن التصويت.
وبالنسبة لحكومة الاحتلال فكما كان متوقعاً فان رد فعل حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو على الاعترافات الدولية لم يتأخر فقد أعلن نتنياهو أنه سيقوم باجراءات مشددة تقضي على الامل في الدولة الفلسطينية. ويفهم من التهديد الاسرائيلي بانه إعلان نوايا من بضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة وتوسيع المستوطنات حول القدس وزرع الاستيطان في أراضي (المجموعة ج) من مناطق السلطة الفلسطينية فضلاً عن الاستمرار في حرق ما تبقى من غزة.
ومهما يكن من أمر ومهما يفعل نتنياهو فان ما قامت به المملكة السعودية وفرنسا من جهد حميد فقد أثمر عن دعم حقيقي لقيام الدولة الفلسطينية. ولكن لكي تتم حماية هذه المكاسب فإن على المجموعة العربية أن تفعل وسائل أخرى للحد من مخاطر الجنون الإسرائيلي. وارى ان تسارع بإطفاء الحرائق في المنطقة العربية بدءًا من ليبيا إلى السودان كما ينبغي مساعدة سوريا على تحقيق درجة أكبر من الاستقرار السياسي وتدريب القوات المسلحة السورية لحماية البلد من احتلال اسرائيلي محتمل لبعض المناطق في جنوب سوريا. كما ينبغي دعم استقرار لبنان . كما ينبغي احكام التنسيق مع تركيا، والهدف توحيد الجهود لحماية مكاسب الفلسطينيين. كما ينبغي التطلع إلى عمل جماعي مع الاتحاد الاوروبي والاتحاد الأفريقي والدول الآسيوية الأخرى لدعم مسار الدولة الفلسطينية.
وفي نفس الوقت ينبغي مراقبة الانتخابات النصفية للكونغرس فقد تضغط نتائج الانتخابات على الرئيس ترامب وتجعله ينتهج مسلكاً اكثر توازناً ومقاربة من الاندفاع الاعمى الحالي في تاييد اسرائيل للإبادة الجماعية في غزة وﻓﻲ كل مكان.
ومن جهة أخرى فإن المظاهرات التي تنظمها اسر المعتقلين في غزة صار لها اثرها في استطلاعات الرأي وقد صار الكيان الصهيونى لا يدعم استمرار حكومة نتنياهو ، ولهذا فإن الأمور قد تتطور وتاتي بحكومة جديدة أقل دموية واقل رغبة في الارتكابات والإبادات الجماعية.
والاهم على المستوى الداخلي الفلسطيني فان على الفصائل الفلسطينية الالتزام بالوحدة والارتفاع لمستوى اللحظة التاريخية والتحديات الوجودية بحيث يكفوا عن السقوط في فخ التصعيد ضد بعضهم البعض او ان يستدرجوا الى ما يخدم مصالح المحتل الاسرائيلي. وعلى الرئيس عباس تقع مسئولية كبرى في احتضان جميع حركات المقاومة الشعبية والإسلامية وان لا يستمع الى الأصوات الغربية خاصة تلك التي تضع شروطاً تعجيزية للاعتراف بدولة فلسطين. فقد قال الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسرا
وإذا أفترقنا تكسرت آحادا .