
.
من كان يظن أن مليشيا الدعم السريع، التي طالما تباهت بقوتها وهددت وتوعّدت، ستصل إلى مرحلة البكاء والتوسل للحصول على أسلحة؟ تقرير واشنطن بوست الأخير كشف ما كان مخفياً خلف الشعارات الجوفاء، حيث ظهر القوني حمدان دقلو، شقيق قائد المليشيا، في صورة لم يكن أحد يتوقعها: رجل يائس، ملهوف، يطرق أبواب شركات السلاح التركية، محاولًا إقناعها ببيع طائرات مسيَّرة بأي ثمن، حتى لو اضطر إلى ذرف الدموع في سبيل ذلك.
بحسب التقرير، لم يكن القوني يتفاوض بثقة القائد العسكري، بل تصرف كمن يتشبث بآخر قشة، في مكالماته مع مسؤولي شركة بايكار التركية، المصنعة لطائرات( Bayraktar TB2) لم يكتفِ بتقديم عروض مالية مغرية، بل بلغ به القلق حداً جعله “قريباً من البكاء”، على حد تعبير الصحيفة الأميركية، متوسلاً إليهم ألا يرسلوا الطائرات إلى الجيش.
يبدو أن المليشيا لم تستوعب بعد أن الحروب لا تُكسب بالخطابات النارية ولا بسرقة البنوك ونهب الأسواق، بل تحتاج إلى استراتيجية وعقل عسكري، وهو ما يفتقده القوني ورفاقه، وبينما كانوا يظنون أن السيطرة على الخرطوم هي نهاية القصة، جاء الرد من القوات المسلحة، التي لم تكتفِ باستعادة مواقعها، بل استخدمت المسيرات التركية بفعالية، لتُحوّل مطامع المليشيا إلى كابوس جوي مستمر.
كانت مليشيا الدعم السريع تطلق على عملياتها أسماء مثل “الفتح المبين”، متوهمة أنها تحقق انتصارات حاسمة، لكن تقرير واشنطن بوست جاء ليؤكد أن “الفتح” الوحيد الذي حققته هو فتح باب التوسل للحصول على الأسلحة،يبدو أن القوني دقلو لم يدرك بعد أن العالم لا يعمل وفق قوانين النهب والسلب التي تتقنها المليشيا، بل تحكمه اعتبارات سياسية وعسكرية أكبر من قدراته.
تركيا، التي ربما أغراها المال في صفقات سابقة، لم تجد أي مصلحة في دعم طرف محاصر بالعقوبات، وتدرك أن التعامل مع قوات غير نظامية قد يجرّ عليها مشكلات دولية، ولذلك، لم ينفع القوني لا البكاء ولا العروض المالية الضخمة.
بينما يقف القوني على أبواب مصانع السلاح، يقف الجيش السوداني على أبواب النصر، التطورات الميدانية تشير إلى تقدم استراتيجي مستمر، حيث تمكن الجيش من استعادة مواقع حيوية، معتمداً على التفوق الجوي الذي وفّرته الطائرات المسيّرة وقواته على الأرض،حيث لم تعد المليشيا قادرة على المناورة كما كان في بداية الحرب، بل أصبحت في موقع الدفاع المستميت، تحاول يائسًة تعويض خسائرها، لكن دون جدوى.
أما الحرب الجوية، التي كانت حتى وقت قريب سلاحاً غير متكافئ، فقد أصبحت اليوم ميدان تفوق للقوات المسلحة، حيث يجري استهداف تجمعات المليشيا بدقة، ما جعلها تعيش في حالة من الذعر والتخبط، وصلت حد البكاء في مكالمات الاستجداء.
إذا كان القوني قد بكى في مكالماته السرية، فمن المؤكد أن المليشيا بأكملها ستبكي قريباً على ضياع حلمها الوهمي،فالمليشيا التي ظنت أن الخرطوم ستسقط للأبد تحت قبضتها، تجد نفسها اليوم محاصرة سياسياً وعسكرياً،بينما الجيش يواصل تقدمه بثبات نحو استعادة كامل التراب الوطني.
في النهاية، المعارك لا تُحسم بالدموع، ولا بالعروض المالية، بل بالقوة والانضباط والتخطيط ،والجيش الذي رفض الانكسار،يبدو أنه يقترب من اليوم الذي لن يحتاج فيه إلى طائرات مسيّرة لمطاردة فلول المليشيا، لأنهم حينها سيكونون قد تفرقوا بين هارب ومستسلم.