المقالات

عبدالقادر سالم .. الريدة في قلوبنا الله علّْاَمَها .. إبراهيم احمد الحسن

(1)
وكان علينا الاختيار ، ونحن نمشي في رمل الدروب في عروس الرمال بين حفل نهاري يشدو فيه عبدالقادر ( اللوري حلَّ بي دلاني انا في الوديِّ ) ، وبين حفل بُلْبُل الغرب عبدالرحمن عبدالله وهو يغنى الأُبيض غرد حبابها والنهود الآسر شبابها ، هل نمارس ذلك الاختيار ام ننتظر المساء يرخى سدوله ونصفق للشمس وهي تغرب ثم نيمم وجهنا شطر دار فرقة فنون كردفان ونردد مع ابراهيم موسى أبا (يا الفُقرا ردوا لي رويحتي الهناك شاردة ) ثم نستمع اليه في عز الخريف يقول قلبي كان شفتي حراية القايلة ، ونستشعر حرارة القايلة التي وقدها عبدالله الكاظم في قلب من بذل العشق للسمحة للواردة متوجاً اياها ملكة وست بنات بارا . نفعل ذلك ام نميل الي حيث مال صديق عباس (عبر الأثير اكتب سطور ل ست هواي وارسلها / تلقاها من مخلص عزيز تنزل دموعها تبللها / تقراها ل آخر حرف تبدأها تاني من اولها / ومتين تشوف كيف بقاسي الغربة كيف بتحملها ) قبل ان يشدو ب ( الله يصبرك يا قلبي من حالتك الفوقك / وكل ما يمر صباح زايد علي شوقك ) ، ام نذهب الي (الربع الأول) في عروس الرمال ونلوذ بحفل عُرس ل عبدالفتاح عباس وهو يترنم بقصيدة لعمنا الراحل المقيم قاسم عثمان بريمة عليه الرحمة ( المنديل الجبتو هدية زايناهو وردة ندية/ يا القالية قلوبنا قلية / قاتلانا من غير دية ) القلوب هنا وهناك تصطلي حراية القايلة والعيون في الغربة بكاية .
(2)
( من حقي اغني لشعبي / ومن حق الشعب علي / من حقي اغني العالم / ابداع وعلم , حرية /علي نخب الود نتسالم / لا جنس ولا لونية / لا عرق لا آه نتقادم / سكتنا بياض النية / مُش كلنا جينا من آدم ؟ / مُش آدم ابو البشرية ) . حميد .
(3)
ومن بين حراية القايلة و رويحتي الهناك شاردة و منديل الحبيب وردة ندية ، بين (عبر الاثير) والنهود الآسر شبابها ، وزايد علي شوقك وعيون في الغربة بكاية اخترنا أن نذهب تجاه ( مكتول هواك يا كردفان ) جلسنا القرفصاء امامه عبدالقادر سالم وطفقنا نردد خلفه ( جيناك زي وزين هجر الرهيد يوم جفَّ).
وجاء اليوم الذي فيه كلنا ومن غير ميعاد ( من صدفة عابرة بلا سلام/
قلبي الغريب في الهم نزف) ومن غير ميعاد ( في لحظة مرت كالظلال / يعبر رؤاي إحساس عميق) ومن غير ميعاد ( يا زمان الغربة تجمعنا الصدف !! ) ومن غير ميعاد أنا كيف أعود؟ ، بل وكلنا كيف نعود ؟ وقد ( هجرنا رهيد ) السودان يوم جفَّ ، وطفقنا نردد ( متين الرجعة والطلة ) ؟ .
(4)
تمر السنوات سريعاً وإعجابنا بعبدالقادر سالم يزيد و( مكتول هواك يا كردفان ) تتجدد كل يوم ، فالذي نظم كلماتها الاستاذ عبدالجبار عبدالرحمن محمد الشيخ طاب له المقام في كردفان فكتب نشيدها الوطني وإلياذة الأهازيج فيها( مكتول هواك يا كردفان ). غناها عبدالقادر وحده او بصحبة الموسيقار محمد الأمين (أسير غزال فوق القويز / كلام غزل معسول لذيذ / دمعات عتاب لزولاً عزيز / سالت بحر شال القليب في كردفان ) ( أتمنى يوم زولي القبيل / يقطع معاي درباً عديل / رحلة عمر مشوار طويل /نمشيه في رمل الدروب في كردفان ) ، تمر الايام و عبدالقادر كل يوم يهدى العالم ابداع وعلم ، غني بحرية للجمال للإبتسام وللحلا ، ثم طفق العالم كله يغنى وراء عبدالقادر سالم ( حليوة يا بسامة) .
غناها عبدالقادر سالم ، عندما حاكها نسيج تتشابك خيوط الغَزْلُ فيه والغَزَلْ ، علم موسيقى وإيقاع وفن واداء (فيك الوسامة / الله رسامها / ضميرا من الصيد / والحكمة في القامة ).
الوسامة وضمير الصيد وحكمة الله جلت قدرته في رسمها تبارك احسن الخالقين ، قدرة الله وحده جعلت الاغنية تحلق في أثير فضاءات واسعة لا مكان فيها لأي حدود متوهمة ، عبدالقادر بادائه المتميز كسر كل قيود الحدود وجعلها اغنية ( بلا جنس او لونية ) سوى القاعدة الذهبية التي قال بها حميد ( مُش كلنا جينا من آدم ؟ / مُش آدم ابو البشرية ؟ )
( 5 )
وغناها محمود عبدالعزيز ( الحوت ). وعندما يغني الحوت يقف العالم مشدوهاً ومشدوداً إنتباه ويطرب الشجر والحجر والشباب من عمر 9 سنوات الي 99 سنة (قرن إلا سنة )، تذوب الحواس والحواجز والحدود ويتسالم العالم لا جنس ولا لونية ويغنى مع الحوت ( حليوة يا بسامة / الفايح نساما / الريدة في قلوبنا الله علّْاَمَها/ طالبين سلامة / ما تبقى ظَلّْاَمة ) .
(6)
ويتجلي عبدالله الكاظم ناظم الاغنية وتتماهى كلماته في رهود الريد وتتموج ، يصف مشية البسامة ومراتع صباها (بينات رهود الريد / قدالة عوامة) ويمضي بالأغنية حتى خواتيمها ( يا أخيَّ دي الدنيا معدودة اياما ) فيجلب الفرح والبهجة والسرور بهذا التوسل والتبتل الصادق والتأكيد القاطع برسوخ الريدة في القلب والتي لا يعلم مداها إلا الله .
(7)
ثم غنت الفنانة العالمية رحيلا ( طالبين سلامة / ما تبقى ظلامة / يا أخيَّ دي الدنيا معدودة اياما ) ، عرف العالم كله اننا في السودان لا نفتأ نردد (طالبين سلامة) ، وان كان عبدالله الكاظم قد قالها للحبيب وغناها عبدالقادر اتقاء جور الحبيب وظُلّْمه بهجر المحب ، إلا ان الأمر يصلح مقاماً زين ،(يقنب طولا ) ، ويصف حال كل وزين هجر الرهيد يوم جفََ .
(8)
الإيقاع الداخلي لمجموعة كورال معهد الموسيقي والمسرح هو الفرق !! هو ما يمنح الاغنية نوتتها الموسيقية العالمية التي كتبها الموسيقار عبدالقادر سالم ، البعد الحقيقي الذي أوغل فيه بحواسه ،ومضى يمشى به في دروب الفن . البعد الحقيقي الذي عاشه عبدالقادر في طبيعة كردفان وجمالها ( حليوة يا بسامة ) ، البعد الحقيقي الذي عايشه شباب السودان من اقصاه الي اقصاه مع الحوت (الريدة في قلوبنا ). البعد الحقيقي الذي غاص فيه كورال معهد الموسيقى والمسرح ( فيك الوسامة / الله رسامها ) .
(9)
البعد الحقيقي هو الذي منحه عبدالقادر سالم للاغنية فاصبحت تعزفه فرق عالمية ، مثلما فعلت ( فرقة موسيقى الشرق الأوسط في جامعة تكساس الأمريكية ) عندما عاشوا اللحن والإيقاع والموسيقى وطفقوا يرددون ( حليوة يا بسامة طالبين سلامة ) ، البعد الحقيقي للاغنية هو الذي جعل المغنية العالمية تردد عندما استبد بها اللحن ( ما تبقى ظَلّْاَمة ) .
(10)
استاذي عبدالقادر سالم لو لم تغن في عمرك المديد سوى حليوة يا بسامة لكفتك ، ولجعلتنا بها فقط نصطف ونقول لك ، لا غيره قولاً واحداً وبالكلام الجهير : ( ريدتك في قلوبنا الله علّْاَمَها ) .. والله العظيم !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *