المقالات

هناك فرق – منى أبوزيد تكتب : “رفعت راسنا يا بركوتة” ..!  

 
*”وفوق هذه العقائد الثابتة تتَموضع طبقةٌ سطحيةٌ من الآراء والأفكار التي تُولد وتَموت باستمرار، وأكثرها أهمية لا تتجاوز حياة جيلٍ كامل” .. جوستاف لوبون ..!*

هل يمكن لقاسم مشترك أياً كان تصنيفه أن يجمع بين الأسماء الآتية، المعلمة البريطانية جوليان التي تمت إدانتها في قضية “الدمية” الشهيرة قبل سنوات، الخبير الاقتصادي د. عبدالله حمدوك الذي اعتذر عن منصب وزير المالية في حكومة الإنقاذ..!

البروفيسور بركات موسى الحواتي الذي اعتذر عن منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي في أواخر شهور حكومة الإنقاذ، مقدم البرامج التلفزيوينة محمد عثمان والمغني طه سليمان الذين تعرضا – قبيل سقوط حكومة الإنقاذ – للمطاردة والعنف اللفظي من قِبَلِ بعض المتحدثين باسم الثورة السودانية في مدينة “حيدر أباد” الهندية..!

بلى، هنالك قاسم مشترك هو روح القطيع التي تتحكم بمواقف الأفراد الذين يخضعون بدورهم لسيكولوجية الجماهير..!

دعني أحدثك عن وجهة نظري بشأن الإجابة على السؤال الذي لا بد أنه قد جال بخاطرك وأنت تفكر كيف تكون روح القطيع هي القاسم المشترك بين هذه الأسماء وتلك الأحداث التي لا يجمع بينها أي سياقٍ زمنيٍ أو رابط منطقيٍ ظاهر ..!

المعلمة البريطانية جوليان كانت قد طلبت من تلاميذها الصغار في إحدى مدارس الخرطوم أن يقترحوا اسماً يطلقونه على “دمية” – دبدوب صغير – لأغراض التربية والتعليم،  فكانت نتيجة التصويت أن يكون اسمه “محمد” لسبب ما..!

عندها قامت قيامة الخرطوم، وخرجت جموع غفيرة في مظاهراتٍ حاشدة تندد بالإساءة للإسلام، وتطالب بإعدام “جوليان”، وانبرى بعض أئمة المساجد للتنديد بهذه الفعلة التي قال الشيخ الكاروري إنها مقصودة، ومخطط لها من قبل الغرب..!

ثم “طَاح الحَطَب” كما يقول إخواننا في بلاد الخليج العربي، وغادرت “جوليان” إلى بلادها وهي تشكر ذات الشعب الغاضب على حسن المعاملة، بعد أن “راحت السَّكرة وجاءت الفكرة” ..!

أما السيد عبدالله حمدوك فلو جُمع ما قيل من شططٍ في شأن ملابسات ترشيحه لذلك المنصب أيام حكومة الإنقاذ وأسباب اعتذاره لَفاقَ ما قال به الإمام مالك في “الموطأ”..!

أسرار مزعومة وحكايات كثيرة عَّولَ عليها مصطلح “الحمدكة” الشهير في نهوضه الكوميدي ثم انحسرت موجة السخط وانتشرت في بعض المواقع صور للخبير المعتذر وهو يجالس بعض الإنقاذيين في بهو سفارة بلاده بالعاصمة الإثيوبية، حيث يعمل ويقيم..!

فضلاً عن تعاقب الظروف والأزمان الذي أتى به رئيساً للوزراء في أول حكومة بعد الثورة، ثم رئيساً للوزراء في أول حكومة بعد الانقلاب عليها..!

أما البروفيسور الحواتي فقد تداول الناس تسجيلاً صوتياً قيل إنه لإحدى شقيقاته، بدأ بزغرودة أطلقتها فرحاً باعتذاره عن ذلك المنصب أيام احتضار حكومة الإنقاذ – وبالتالي براءته من تهمة “الكوزنة” – وانتهى بالجملة المُتهدِّجة الآتية “رفعت رأسنا يا بركوتة”..!

وقد أزاح معظم رواد مواقع التواصل في تلك الأيام خذلانهم من إعلان الحكومة الجديدة جانباً، وتفرغوا للاحتفاء بذلك الموقف البطولي النبيل، ولسان حالهم جميعاً أن “رفعت رأسنا يا بركوتة”..!

ناسين – أو متناسين – أن موالاة حكومة الإنقاذ من عدمها لا تكون باتخاذ قرار رفض أو قبول لمنصب، بل هي نمط يَمتد في مسيرة المرشح المِهَنيَّة، وبالتالي فقد تشهد عليه مختلف المناصب السابقة التي لم يعتذر عنها ..!

ثم هنالك أدعياء النضال بالإرهاب الذين طاردوا طه سليمان ومحمد عثمان، وأوسعوهما تقريعاً بشأن حضورهما لإحياء حفل بينما كان الثوار يزأرون في شوارع الخرطوم..!

وقد كانت تلك ظاهرة ثوريةٍ منتشرة في تلك الأيام قوامها “التَثْوير بالإكراه”، إكراه الناس على التعبير، على المشاركة، على أن يقولوا في وجه الكاميرا “تسقط بس”، وإن كانوا مكرهين لا أبطال ..!

أصحاب ظاهرة التثوير بالإكراه تحولوا بعد تشكيل أول حكومة بعد الثورة إلى ثائرين عليها ومنددين ببيع الشق المدني منها لدماء الشهداء، باتفاقهم مع المجلس العسكري الذي ناصبوه المزيد من العداء، بعد انقلابه على المدنيين..!

ثم اندلعت الحرب بانقسام ذات المجلس إلى مليشيا متمردة وقوات مسلحة يساندها ويقف خلفها كل الثوار الأسوياء، الذين تخندقوا مع ذات الإعلامي وذات المغني وجموع السودانيين في التنديد بجرائم وانتهاكات المليشيا، وفي إدانة مواقف كل من تحالف معها من السياسيين الذين كانوا ثواراً ثم تحولوا إلى خونة ..!

إنها روح القطيع حينما تَتلبَّس الناس أحياناً فتصبح أحوالهم مُلتَبِسَة،لكن الذي يقرأ التاريخ جيداً يعرف أن كل اجتماعٍ على تِيهٍ أو شططٍ أو ضلال – هو في نهاية الأمر – حتماً إلى زوال ..!

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *