متابعات ــ عزة برس
لم تتوقع سلمى الطاهر ــ اسم مستعار ــ أن تواجه مأساة أقسى من تلك التي عاشتها في جنوب كردفان، قبل أن تفر مع أسرتها إلى العاصمة الخرطوم التي لاحقتها فيها أهوال الحرب.
فقدت سلمى، التي أتمت عامها العشرين قبل أشهر، والدها في الحرب التي اندلعت في كادقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، يوم 6 يونيو 2011. لكن صمود والدتها أمام المحنة وصغر سنها آنذاك جعلاها تتكيف مع قسوة الحياة.
وقالت سلمى لـ”سودان تربيون”: إن “والدتها نزحت من كادقلي إلى الخرطوم بعد أشهر من اندلاع الحرب هناك، حيث استقرت في أحياء جنوب المدينة الأكثر فقرًا وحرمانًا، لتعمل كبائعة شاي في السوق المركزي لإعالة أطفالها الثلاثة”.
وأوضحت أن والدتها اضطرت، بعد اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، إلى العمل في السوق المركزي للخضر والفاكهة جنوب الخرطوم، ببيع الشاي والقهوة والمأكولات الشعبية رغم انعدام الأمن، لكنها لقيت حتفها في غارة جوية.
وتابعت: “بعد مقتل والدتي، وجدت نفسي مسؤولة عن إعالة أخي وأختي، دون أن أتمكن من العمل الذي كانت والدتي تمارسه. لم أجد خيارًا سوى اللجوء إلى ممارسة الجنس مع جنود الدعم السريع وآخرين مقابل المال”.
وأضافت سلمى أنها لا تحصل على الكثير من الأموال، لكنها تضطر لذلك لمنع شقيقها من الانضمام لقوات الدعم السريع، حيث تقول له إنها تعمل في مكان والدتها وتبيع الشاي في السوق المركزي.
وأشارت إلى أن شقيقها يشعر بمسؤولية إعالتها، لكنه لا يزال طفلًا يبلغ من العمر 15 عامًا، وتسعى جاهدة لمنعه من الاستنفار والعمل، آملة في أن يتمكن من إكمال تعليمه بعد انتهاء الحرب وعودة المدارس للعمل.
ضغوط الحرب وتداعياتها
تشير تقارير إلى أن تدمير سبل العيش في الريف والحضر دفع الأسر إلى اتخاذ تدابير متطرفة، منها تزويج القاصرات للمقاتلين خاصة في مناطق النزاع النشطة، وانضمام الأطفال إلى الجماعات المسلحة من أجل الحصول على الطعام.
وفي 9 أكتوبر الماضي، أكد عمال إغاثة من ثماني منظمات دولية تعمل في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أن بعض الفتيات تزوجن مقاتلين كوسيلة للبقاء على قيد الحياة والحصول على الغذاء.
وقال عمال الإغاثة إن الفتيات يُجبرن على الزواج من المقاتلين، كما تلجأ الشابات إلى ممارسة الجنس من أجل البقاء، مقابل الطعام والماء والمال.
الشعور بالعار
وأفادت سلمى الطاهر بأنها تخشى على مشاعر شقيقها الأصغر إذا اكتشف ما تقوم به، حيث لم تعد قادرة على النظر في عينيه.
ويعتبر معظم أفراد المجتمع السوداني أن ممارسة النساء الجنس خارج نطاق الزواج أمر غير مقبول، إذ يرى الرجال أن الحفاظ على عذرية الفتاة حتى الزواج مسألة شرف لا تُساوم.
وفي الفاشر، التي تخضع لحصار قوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي وتشهد دوي المدافع وأصوات الاشتباكات، اضطر خالد إبراهيم ــ اسم مستعار ــ إلى تزويج ابنته لأحد مقاتلي القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تدافع عن المدينة بجانب الجيش.
وقال خالد لـ”سودان تربيون”: إنه “كان يبيع الخضروات في سوق الفاشر، لكنه بات عاطلًا بعد نشوب الحرب في المدينة يوم 10 مايو 2024. ومع استمرار القصف المدفعي، اضطر إلى النزوح لمخيم زمزم المجاور”.
وأوضح أنه زوج أصغر بناته، البالغة من العمر 16 عامًا، إلى مقاتل لعدم قدرته على حمايتها وإطعامها، مشيدًا بأخلاق صهره الجديد رغم خشيته من مقتله في المعارك الجارية.
وأشار إلى أن هناك فتيات صغيرات أُجبرن على الزواج بسبب عجز آبائهن عن إعالتهن وحمايتهن، لكنه نفى معرفته بممارسات الجنس مقابل الطعام.
المساعدات وغياب آليات الحماية
يعمل متطوعون على تقديم الطعام لملايين السكان العالقين في مناطق النزاع النشطة في الخرطوم ودارفور، من خلال مبادرات “التكايا والمطابخ الجماعية”، رغم القيود والملاحقات التي تفرضها أطراف النزاع على النشطاء.
وقال خالد إبراهيم إنه لا يقوى على الوقوف لساعات للحصول على الطعام من المطابخ الجماعية بسبب تقدمه في العمر والمرض، حيث يعتمد على الطعام الذي يوفره صهره الجديد رغم قلته.
الافتقار إلى آليات الحماية
لم تستبعد مديرة وحدة حماية المرأة والطفل في وزارة التنمية الاجتماعية، سليمى إسحاق، أن تُجبر النساء على ممارسة الجنس أو تزويج القاصرات للحصول على الطعام، قائلة: “نتوقع حدوث ذلك في ظل الحرب”.
وأوضحت سليمى لـ”سودان تربيون” أن الوحدة تعمل على توثيق حالات الاستغلال والإساءة الجنسية حتى في المناطق الآمنة، مشيرة إلى أنها طلبت من وزير الداخلية في أبريل الماضي إنشاء مكاتب شكاوى لانتهاكات حقوق الإنسان والطفل.
وأكدت أن وزير الداخلية أصدر قرارات بإنشاء هذه المكاتب في ولايات كسلا والقضارف والنيل الأبيض، بهدف زيادة آليات الحماية. لكنها شددت على أن النساء “لا يبلغن عن حالات الاستغلال بسبب غياب الآليات التي تساعدهن”.
وكشفت عن مساعٍ لتكوين لجان حماية في دور الإيواء للإبلاغ عن حالات الاستغلال الجنسي، مع تدريب المتطوعين والعاملين في هذه المراكز.
وأشارت إلى أن الوحدة تتجنب نشر المعلومات عن الانتهاكات في مناطق سيطرة الدعم السريع حفاظًا على سلامة السكان هناك.
انتهاكات وعنف جنسي
تحمّل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عناصر قوات الدعم السريع المسؤولية عن الجزء الأكبر من الانتهاكات الواقعة على النساء، خاصة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والاغتصاب والاستغلال.
وتتزايد مآسي النزاع يومًا بعد يوم، مع تفاقم الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية والاستغلال الجنسي، نتيجة فقدان معظم السودانيين لوظائفهم وأعمالهم التجارية
إعداد وتحرير: سودان تربيون